أفراهام ماريك كلينبيرغ أو ماركوس أ. كلينجبرج ، هو عالم إسرائيلي وأحد أكبر الجواسيس السوفييت ، الذين تم إلقاء القبض عليهم في إسرائيل ، وأثارت قضيته الرأي العام ، وكانت من أكبر فضائح التجسس في تاريخ دولة إسرائيل .
نشأته :
ولد كلينبيرغ في وارسو ببولندا عام 1918م ، لعائلة يهودية من النسب الحاخامي ، وعاش فترة طويلة برفقة جده الحاخام موشيه كايمبيرغ ، وظل يدرس بمدارس دينية يهودية ، حتى وصل إلى المرحلة الثانوية ، أدار ظهره لهذا النوع من المدراس ، والتحق بمدرسة ثانوية عادية .
بدأ ماركوس دراسة الطب في جامعة وارسو عام 1935م ، ولكنه هرب إلى الاتحاد السوفييتي عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية ، مع الغزو الألماني لبولندا ليستكمل دراساته الطبية في مينسك .
الحرب العالمية الثانية :
مع بداية الغزو الألماني للاتحاد السوفييتي عام 1941م ، تطوع ماركوس وانضم للجيش الأحمر ، وعمل كمسؤول طبي على الخطوط الأمامية حتى أكتوبر 1941م ، ليصاب في هذا الوقت بشظايا في ساقه تم علاجه منها ، ثم عُين كطبيب للأمراض الوبائية ، في جبال الأورال .
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية ، تم تعيين ماركوس في الجيش الأحمر برتبة قائد ، فعاد بعدها إلى بولندا ، وهناك اكتشف وفاة والده وشقيقه الوحيد في أغسطس عام 1942م ، في معسكر الإبادة في تريبلينكا بمدينة وارسو ، ثم شغل ماركوس منصب كبير أخصائيي الوبائيات ، في وزارة الصحة البولندية .
إبان فترة إقامته في بولندا ، التقى ماركوس بأدجيا أيسمان ، وكانت خبيرة في علم الأحياء المجهرية ، وواحدة من الناجين من الحي اليهودي في وارسو ، وكانت أيسمان قد تمكنت من النجاة ، بعد أن هربت من الحرب خلسة ، بسبب ملامحها الآرية ، وتزوجت من ماركوس عام 1946م وهاجرا إلى السويد ، حيث أنجبا طفلتهما سيلفيا .
الحياة في إسرائيل :
بحلول عام 1948م هاجر ماركوس صوب إسرائيل ، برفقة زوجته وابنته حيث كانت إسرائيل ، قد بدأت في التشكل في هذا الوقت ، وعلى الرغم من أن كلينجبرج ذكر أنه ليس صهيونيًا ، إلا أنه ادعى أن سبب هجرته إلى إسرائيل لأنه يهودي ، وأن الاتحاد السوفييتي كان يدعم إسرائيل في ذلك الوقت.
وتم تعيينه في جيش الدفاع الإسرائيلي ، إلى جانب خدمته بالجيش الطبي ، وتمت ترقيته إلى رتبة كولونيل عام 1950م ، ثم شغل منصب رئيس قسم الطب الوقائي ، وبعد ذلك أسس وترأس مختبرات الأبحاث المركزية للطب العسكري .
حياته جاسوسًا :
وصل ماركوس للعديد من المناصب الحساسة ، داخل إسرائيل مما مكّن السلطات السوفيتية ، من بدء التعامل معه بوصف جاسوسًا لهم ، حيث تمت زراعته من الأساس في إسرائيل ، برغبة من الاتحاد السوفييتي ، على الرغم من نفيه لهذا الأمر فيما بعد .
بدأ ماركوس عمليات التجسس في فترة الخمسينيات ، وتحديدًا في الفترة من عام 1957م وحتى عام 1976م ، استطاع خلالها كلينجبرج تقديم الكثير من المعلومات ، بشأن الأنشطة في المجالات الكيميائية والبيولوجية لإسرائيل ، ومع بداية عقد الستينات ، بدأت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تتشك حول أمر كلينجبرج ، ولكن الفحص والمراقبة لم يأتوا بأدلة قاطعة بهذا الشأن .
وفي أثناء تواجده بمعهد البحوث البيولوجية ، استدعته السلطات مرتين بسبب الشكوك في كونه عميلاً أجنبيًا ، ليدحض كلينجبرج تلك الادعاءات ويمر باختبار كشف الكذب ، ويرجع ذلك إلى أن المحققين قاموا بطرح أسئلة خاطئة ، حيث اشتبهوا بأنه كان يتجسس لصالح بولندا بدلاً من المخابرات السوفيتية .
وفي عام 1982م ، اقترب يهودي سوفييتي هاجر إلى إسرائيل ، من كلينجبرج بعد حصوله على تأشيرة خروج من أجهزة الأمن الإسرائيلية ، وأخبرهم أن جهاز المخابرات الروسية (KGB) جنده جاسوسًا لهم ، ثم بدأ هذا الرجل بالعمل كعميل مزدوج ، ومن خلاله حصل جهاز الاستخبارات الإسرائيلي ، على أدلة ظرفية قوية بأن كلينجبيرغ كان جاسوسًا سوفيتيًا .
وعلى الرغم من كل ذلك ، لم يستطع الشاباك الإسرائيلي أن يحصل على أدلة قوية يمكن قبولها في المحكمة ، وفي يناير 1983م ، أبلغ ضباط الشاباك كلينجبرج ، بأنهم يرغبون في إرساله إلى سنغافورة ، حيث زعموا انفجار أحد المصانع الكيميائية بها ، ولكن عقب مغادرته حاملاً حقيبة سفره ، لم يتم نقل كلينجبرج إلى المطار ، ولكنهم تحفظوا عليه في مكان مجهول ، ليحصلوا منه على اعتراف صريح ، باستخدام وسائل تعذيب وضغط نفسي متعددة .
عقب مرور عشرة أيام فقط ، قدم كلينجبرج اعترافًا بعمله لصالح الاستخبارات السوفييتية ، وأنه قدم لهم معلومات لأسباب أيديولوجية فقط ، وفي عام 1997م ، ناشدت منظمة العفو الدولية الحكومة الإسرائيلية ، من أجل إطلاق سراح كلينجبرج أسباب صحية ، حيث كان قد أصيب بعدد من السكتات الدماغية المتتالية ، لتستجيب الحكومة الإسرائيلية ، وتطلق سراحه في الإقامة الجبرية في عام 1998م .
في هذا الوقت ، تم تركيب كاميرات خاصة داخل منزله ، ومراقبة هاتفه وتم تعيين حراس على باب منزله ، تلك الوسائل التي كانت موصولة ، إلى مكاتب هيئة أمن وزارة الدفاع في تل أبيب ، كما قام كلينجبرج بتوقيع التزام بعدم التحدث بشأن عمله .
إطلاق سراحه:
في 18 يناير عام 2003م ، أُطلق سراح كلينجبرج من الإقامة الجبرية، وغادر على الفور إلى باريس ، للعيش مع ابنته سيلفيا وحفيده إيان ، وكان كلينجبرج قد عاش في باريس بشقة من غرفة واحدة ، لكنه لم يحصل على الجنسية الفرنسية ، وألقى محاضرات في الطب ، بمركز جامعي في زيورخ ، وبصفته ملازمًا سابقًا في جيش الدفاع الإسرائيلي ، حصل على معاش ضابط من الحكومة الإسرائيلية .
نشر كلينجبرج مذكراته باسم الجاسوس الأخير ، بالتعاون مع محاميه مايكل سفارد في عام 2007م ، وتوفى كلينجبرج في باريس ، عن عمر ناهز 97 عامًا في عام 2015م المنصرم ، وتم إحراق جثته ، ودفن رماده في مقبرة بير لاشيه .