هو رجل العصابات المغامر والكاتب الشهير هنري شاريير Henri Charrière ، الذي ادعى أنه تعرض للاعتقال الخاطئ على جزيرة الشيطان التي لا مفر منها ، ثم هرب ! ولكن كيف فر هنري شاريير من أحد أسوأ السجون في التاريخ ، واستطاع أن يفوز بحريته من الحكومة التي ادعى أنها سجنته بالخطأً في المقام الأول .
وإذا كانت حتى نصف الأحداث المثيرة التي حدثت لهنري ، والتي تم وصفها في سيرته الذاتية صحيحة ، فيبدو أنه قد عاش حياة مليئة بالمغامرات والفرار المتكرر من الموت ، وهذا من شأنه أن يجعل الباحثين عن التشويق يشعرون بالغيرة والإثارة .
بداية من أيامه مع إحدى العصابات في باريس ، إلى هروبه من أحد أسوأ سجون التاريخ في غيانا الفرنسية ، فقد عاش هنري شاريير حياة من الإثارة بين هذه التقلبات المثيرة في حياته .
حياة هنري شاريير المبكرة :
ولد هنري شاريير في جنوب فرنسا عام 1966م ، وسعى إلى المغامرة بشروطه الخاصة منذ البداية ، فبعد فترة قضاها في البحرية بعد أن أنهى دراسته ، سرعان ما سقط شاريير مع عالم باريس السفلي ، حيث أطلقوا على شاريير لقب “بابيلون” ، بسبب وشم فراشة بابيلون الموجود على صدره .
وهي عصابة صغيرة في العاصمة الفرنسية ، كانت وظائفه بها هي سرقة وفتح الخزائن ، وبعض الروايات قالت عنه أيضًا أنه قواد ، وتلك قدرات وضعته في مكانة كبيرة بالنسبة للقراصنة المحليين ، ومع ذلك لم تتم ملاحقة بابيلون حتى قتل شخصًا ما .
الاعتقال والإدانة :
على الرغم من كل نشاطه غير القانوني كواحد من رجال العصابات في باريس ، فلم يتم القبض على هنري شاريير إلا بعد قتل العصابات المحلية للقواد رولاند ليجراند في عام 1951م ، وادعى شاريير البراءة في وفاة ليجراند ، قائلًا إنه كان ضحية لمخبر غير شريف ، ونظام العدالة الفرنسي الذي سعى لتسوية سريعة لهذه القضية ولهذا قاموا بالقبض عليه .
وبالرغم من ذلك حُكم عليه بالسجن مدى الحياة في كاين ، التي كان بها مستعمرة السجون الفرنسية الشهيرة في غيانا ، لكن هنري شاريير لم يكن لديه نية للبقاء محبوسًا هناك ، فسعى للهروب أكثر من مرة وهذا كان من شأنه أن يجعله شهيرًا .
الهروب :
فر هنري شاريير من السجن في كاين وذلك للمرة الأولى بعد ثلاثة أعوام في الأسر، حيث أبحر في خليج ماراكايبو على متن قارب مؤقت ، ولكنه اصطدم بسفينة ورغم ذلك نجا حيث وجد نفسه بين قبائل أصلية في الغابات الكثيفة ، واستطاع أن يعيش معهم لعدة سنوات .
وعندما عاد تشاريير مرة أخرى إلى باريس ، تم إلقاء القبض عليه من قبل السلطات الفرنسية ، وفي النهاية قرروا حبسه انفرادي لمدة عامين في جزيرة الشيطان سيئة السمعة ، وقد كانت جزيرة Devil’s سيئة بقدر ما تبدو .
فالسجون لم تكن محصنة بأسوار عالية للغاية ، لأنها لم تكن بحاجة لذلك حيث حذر أحد القادة السجناء الذين يفكروا في الهروب ، بأن السجن محصن بشكل لا تتخيلوه ، وكان يقول للسجناء لدينا اثنين من أندر الحراس هما الغابة والبحر ، إذا لم تأكلك أسماك القرش فسيلتهم عظامك النمل بالصحراء المحيطة .
وإن هربت سوف تتوسل قريبًا للعودة ، ثم ستعاقب بشدة وسوف تحصل على حبس إنفرادي ، وبعد المحاولة الأولى للهروب سوف تحصل على عامين إضافيين ، والمحاولة الثانية ستجلب لك خمسة أعوام ، ومع ذلك أراد شاريير أن يهرب لأنه قد نجا بالفعل وتمكن من العيش في الأدغال ، وقد برهن على أنه يستطيع أن يفعل ذلك مرة أخرى .
وبشكل عام حاول هنري شاريير الفرار سبع مرات قبل محاولته الناجحة في المرة الثامنة ، وبمجرد خروجه كان يبحر في مياه مليئة بأسماك القرش ، على طوف مصنوع من جوز الهند ورغم ذلك نجا من كل تلك الأهوال ، وفي عام 1945م هبط في فنزويلا حيث استقر وتزوج ، حتى حصل على الجنسية الفنزويلية .
كتاب بابيلون :
عاش هنري شاريير في فنزويلا حياة طبيعية نسبيًا ، حيث عمل بضخ الغاز واكتشاف الذهب ، وفي إحدى الليالي كان بملهى وهو في سن الثانية والستين ، وقرأ كتاب مآثر ألبرتين سارازين وهي كاتبة فرنسية ، وكان كتابها هذا هو الأكثر مبيعًا فألهمه هذا الكتاب بفكرة جديدة وهي الكتابة .
ومن هنا بدأ شاريير في الكتابة ثم الكتابة ، حيث ملأ مجلدات لا تحصى وأرسل المخطوطات إلى ناشر فرنسي ، وكانت عبارة عن كتاب “بابيلون” الذي قال شاريير أنه صحيح بنسبة 75 % ، حيث نشر به المغامرات التي مر بها بأسلوب رائع في السجن وروايات الهروب .
وقد بيعت 700،000 نسخة رائعة في الأسابيع العشرة الأولى فقط بعد نشرها في عام 1966م ، وقد كان سر نجاح الكتاب بسيطًا وفقًا لشاريير الذي قال “كل ما عليك القيام به هو كتابته بالطريقة التي تتحدث بها” .
مشهد من فيلم بابيلون :
تم تحويل قصته إلى فيلم ثم أصبح هو الفيلم الأكثر مبيعًا عام 1973م ، وقد لعب به دور البطولة ستيفن ماكوين في دور شاريير ودوستين هوفمان كزميل سجين ، وكان الفيلم يجسد الكثير من فرص الموت لشاريير وسط محاولات الهروب المختلفة من السجن .
وبعد أن أصبح شاريير مشهورًا صدر في حقه أخيرًا عفوًا في عام 1970 من قبل المسئولين الفرنسيين ، مما سمح له بالعيش في فرنسا مرة أخرى بعد انتهاء مدة التقادم ، بسبب هروبه من السجن وفي نهاية المطاف سمح له نظام العدالة الفرنسي الذي انتقده في شبابه ، بالعودة إلى باريس المحبوبة مرة أخرى .
ومع ذلك لم يعيش هنري شاريير طويلًا حتى يستمتع حقًا بثروته وحريته ، فقد توفي في 29 يوليو 1973م عن عمر يناهز 66 عامًا ، وفي وقت وفاته باع كتابه أكثر من ملايين 5 نسخة في جميع أنحاء العالم ، ولا يزال يأسر القراء حتى يومنا هذا .