وقف السير إدوارد مارشال هول أحد أشهر المحامين في عصره عام 1923م داخل قاعة محكمة أولد بايلي البريطانية للدفاع عن موكلته الفرنسية مارجريت ميلر المتهمة بقتل زوجها علي بك فهمي وأشعل المحكمة بالعبارات الرنانة التي تسببت في تحويل القضية لرأي عام ، وتبرئة المتهمة القاتلة رغم ثبوت الجريمة عليها !
بدأت أحداث القصة في مصر حينما التقى علي بك كمال فهمي ابن الأكابر بمارجريت ميلر الحسناء الفرنسية ابنة أحد سائقي فرنسا التي قدمت إلى مصر ، استطاعت تلك الحسناء أن تفتن علي بك الذي كان غارق في الترف والملذات وتبديد ثروة والده الذي مات وترك لها ولشقيقاته الأربعة ثروة ضخمة .
نسجت مارجريت ذات الثلاثة والثلاثين ربيعًا شباكها حول ذلك الثري الذي يصغرها بعشر سنوات ، فهام حبًا بها ولحق بها إلى باريس وهناك تزوجها زواجًا مدنيًا في ديسمبر عام 1922م ، فأشهرت إسلامها في العالم التالي وغيرت اسمها لمنيرة .
أنفق على بك فهمي الكثير من أمواله على الحسناء الفرنسية ، حيث تكلف تأسيس القصر الذي بناه لها في منطقة الزمالك مبلغ 120 ألف جنيه ، كما ابتاع لها في باريس جواهر قدر ثمنها بـ 200 ألف فرانك قامت بالتأمين عليها بمبلغ مليون ومائتي ألف فرانك .
ورغم كل ما فعله لها على بك لم تغفر له مارجريت مصريته واحتفاظه ببعض العادات والتقاليد الشرقية ، بمرور الوقت وقعت الاختلافات بينهم نتيجة اختلاف الثقافات والحضارات ، فتصاعدت الهوة بينهم حتى أتى يوم العاشر من يوليو عام 1923م .
حينما كان الزوجان يقطنان بفندق سافوي في عاصمة الضباب ، وطلبت مارجريت من زوجها المليونير الشاب السفر إلى باريس لرؤية ابنتها غير الشرعية التي سبق وأنجبتها من علاقة عابرة لكنه رفض ، فنشب بينهما شجارٌ حاد انتهى بإطلاق مارجريت عليه ثلاث رصاصات أردته قتيلًا .
ليتم القبض على مارجريت ميلر بعدها وتوجيه إليها تهمة القتل ، ولكن مع بدأ المحاكمة انقلبت الأمور رأسًا على عقب والسبب في ذلك هو هوية القاتلة والقتيل ، فلو كان كلاهما شرقي أو حتى غربي لكانت انتهت القضية بإدانة القتيلة ومعاقبتها وربما أيضًا إعدامها .
ولكن ما حدث هو أن المتهمة لجأت لأشهر محامي بريطاني آنذاك وهو السير مارشال هول الذي كان يتقاضى أتعاب باهظة في ذلك الوقت ، ولكنه ما اقتنصته من أموال القتيل كان كفيل بإقناع السير مارشال بالدفاع عنها في أروقة المحاكم ، فقد بلغت أتعابه 5500 وهو مبلغ ضخم جعله يقف أمام هيئة المحلفين ويلقي بخطبته العصماء في قاعة المحكمة قائلًا :
” نحن يا حضرات المحلفين أمام امرأة غربية اقتيدت بحيلة شرقية ماكرة من قلب الحضارة إلى ظلام الصحراء ، لتقضي شهر العسل بين وحوشها وزواحفها ، وتعرضت منذ ذلك الحين لمحنة لم تدع لها إرادة وحولتها إلى كائن مذعور خائف ، امرأة لم تنو القتل ولم تقتل ، بل انطلقت منها رصاصة قتلت ذئبا بريا كان يهم بافتراسها ، فإذا أردتم أن تسموه قتلا خطأ فهو كذلك ، وإذا أردتم أن تسموه دفاعا شرعيا عن النفس فهو كذلك “.
كما خصصت أيضًا مبلغ 4500 للصحف البريطانية حتى تعمل على حشد الرأي العام لصالحها وتصورها بصورة ليست لها مع محاولة تجسيم شناعة الرجل الشرقي المتخلف ، وما تعانيه معه الزوجة الأوربية المتمدنة ، فانقلبت المحاكمة من مجرد قضية عادية أطرافها معلمون المتهم فيها واضح والقتيل موجود إلى محاكمة للعادات الشرقية التي أعدها الغرب همجية وظلمًا بينًا .
فتحولت القضية لرأي عام بفضل مرافعة السير مارشال ، وانقلبت القاتلة لضحية تلك العادات الظالمة فانحاز لها البريطانيون والفرنسيون ، وصارت من أعظم محاكمات القرن ، فصدر الحكم ببراءة المتهمة وإدانة العادات الشرقية التي جعلت من الزوج رجلًا متسلطًا همجيًا عانت الزوجة من ظلمه ، فانشغل المصريون بالدفاع عن عاداتهم وتقاليدهم الشرقية ونسوا أمر الدفاع عن القتيل .
وتحولت مارجريت لنجمة على أغلفة الصحف والمجلات ليس الأجنبية فحسب بل والمصرية أيضًا ، كما تحولت قصتها مع علي بك للتمثيل على خشبة المسارح وفي دور عرض الأفلام ، والغريب أن رغم ارتكاب هذه المرأة للجرم حينما خرجت طالبت بحقها في ميراث القتيل وأخذته بالفعل ، لتؤكد بذلك مقولة الجبروت امرأة .