من الجدير بالذكر أن التاريخ الإنساني مليئ بالقصص والأحداث الخاصة بشخصيات سبقت عصرها ، حيث تميزت تلك الشخصيات بالذكاء والفطنة ، غير أنه يوجد منهم من عاش في معاناة بسبب فطنته وعلمه ، وقد يبدو ذلك الأمر غريبًا ولكن الجهل كان أطغى من العلم في بعض العصور والأزمنة ، ولعل قصة الفيلسوفة هيباتيا كانت من أقوى القصص التي شهدت على تلك المعاناة .
من هي هيباتيا :
هيباتيا هي فيلسوفة مصرية وُلدت في مدينة الإسكندرية خلال عام 380م ، وقد تخصصت في علم الفلسفة الأفلاطونية المحدثة ، كما برز اسمها كأول امرأة في التاريخ يضيء اسمها بتلك الصورة البراقة كعالمة رياضيات متميزة ، كانت مصر تحت الحكم الروماني خلال الفترة التي شهدت ميلادها ، لذلك فهي ذات أصول يونانية .
كان والدها هو “ثيون” والذي اشتهر بأنه عالم رياضيات يوناني ، وكان أخر الأمناء بمكتبة الإسكندرية ، وقد اهتم كثيرًا بتعليم ابنته هيباتيا ، وقام بإرسالها إلى روما وأثينا حتى تدرس العلوم المختلفة حينما بلغت العشرين من عمرها ، وحينما عادت من رحلتها التعليمية عكفت على تعليم المصريين كل ما قد تعلمته أثناء سفرها .
أصبحت هيباتيا رمز من رموز الحكمة والعلم في عصرها ، والتف حولها الكثيرون الذين كانوا يحترمونها ويقدرّون قيمتها ، ورفضت هيباتيا الزواج على الرغم من إقبال الكثيرين للزواج منها لتميزها بالجمال والعلم ، وذلك لأنها كرسّت حياتها للعلم فقط ، وقد تميزت بشجاعتها وتواضعها في نفس الوقت .
أعمالها :
قامت هيباتيا بتقديم إضافات مهمة إلى العلم حيث رسمت الأجرام السماوية ، كما قامت باختراع جهاز لقياس السائل النوعي المعروف باسم “الهيدروميتر” ، وقد ذكرها المؤرخ الكنسي سقراط في كتابه “تاريخ الكنيسة” حيث قال عنها :”كانت توجد فتاة في الإسكندرية تُدعى هيباتيا وهي ابنة الفيلسوف ثيون ؛ كانت بارعة جدًا في تحصيل كل العلوم المعاصرة مما جعلها تتفوق على جميع الفلاسفة المعاصرين”.
قصة موت هيباتيا :
حينما علمت الكنيسة بالتفاف الناس حول هيباتيا وحبهم لها ؛ أصبح هناك حالة من الغضب الشديد ، وكان هناك في نفس الوقت خلاف قوي بين الحاكم أورستوس وبين الكنيسة المصرية وتحديدًا مع الأسقف كيرلس الذي كان مستفيدًا من الفوضى والجهل ، لذلك كان لا يرغب في انتشار العلم والثقافة ، كما كان بعض الرهبان يفكرون بنفس الطريقة .
كان كيرلس ومن حوله يخشون من علم هيباتيا وثقافتها وحب الناس لها ، وذلك حتى لا تصبح صاحبة قوة ونفوذ حيث كان يلتف حولها الكثيرون من الشباب المسيحيين الذين دعموا أفكارها ، في الوقت الذي رأت فيه الكنيسة أن تلك الأفكار ما هي إلا أفكار شيطانية وكافرة يجب أن تُمحى .
كانت الطريقة الوحيدة بالنسبة للكنيسة في ذلك الوقت هو التخلص من هيباتيا ومن هيبتها وعلمها بصورة نهائية ، وذلك ضمانًا لسيطرة رجال الكنيسة على عقول الناس ، وكذلك من أجل إضعاف سلطة الحاكم أورستوس ، مما جعلهم يستغلون بعض الأشخاص الذين أبدوا ولائهم إلى الكنيسة في التحريض على التخلص من هيباتيا وقتلها .
قام هؤلاء الأشخاص الذين أرسلتهم الكنيسة لقتل هيباتيا بتتبعها أثناء عودتها من إحدى الندوات العلمية إلى منزلها ، ثم تمكنوا منها وقاموا بسحلها ونزعوا ملابسها ، فأصبحت عارية تمامًا من أجل مهمة سلخ جلدها ، حتى انتهت مهمة مقتلها وسلخ ما تبقى من جلدها باستخدام الأصداف ، ولم تنته المهمة حتى هذا الحد المفزع بل قاموا بحرق جثتها ، وقد أصبحت هيباتيا رمزًا للعلم الذي يقف ضد الجهل ، وتركت بصمة قوية على الرغم من موتها .