يذخر عالم الجاسوسية بالكثير من الأسرار ، والتي تكشفها بعض الأحداث المفاجئة ، مثل حادث مقتل البريطاني سيرجي سكريبال ، والذي كان يعمل جاسوسًا لدى المخابرات البريطانية ، ولم يتم الكشف بشأنه سوى عقب حادث التسمم الذي أودى بحياته هو وابنته ، والذي مثّل مثارًا للجدل بين كل من بريطانيا وروسيا .
حيث أقرت الاستخبارات البريطانية ، أن روسيا لها يد في مقتله ، حيث ظنت أنه يعمل لدى الاستخبارات البريطانية ، وقام بترسيب الكثير من المعلومات السرية ، الخاصة بالأمن الروسي ، وقد أثار هذا الحادث الكثير من الذكريات ، بشأن بعض الجواسيس الأشهر عبر التاريخ ، بين الجانبين الروسي والبريطاني ، مثل ميليتا نوروود والتي عملت على ، نقل أسرار اختراع القنبلة الذرية إلى الجانب البريطاني .
نشأتها :
ولدت ميليتا نوروود في عام 1912م ، وكانت أمها انجليزية الأصل ، بينما كان والدها من لاتفيا ، وبدأت عملها عندما بلغت عشرين عامًا ، حيث عملت كموظفة بإحدى المؤسسات ، الانجليزية التي تعمل في مجال استكشاف المعادن غير الحديدية في لندن ، ثم التحقت بعدها بالحزب الشيوعي ، الذي كان يحوز جانبًا كبيرًا من القوة ، في فترة الثلاثينات من القرن المنصرم ، وكان قوة جاذبة للشباب في هذا الوقت بالفعل .
وفي تلك الفترة ، كان الروس يخططون لعمل تغييرات جذرية ، في طبيعة المجتمع الروسي ككل ، وكانت خطتهم تتمثل في تبديل الاقتصاد الروسي من النظام الإقطاعي ، الذي يقوم في الأساس على الزراعة ، وتحويلها إلى نظام اقتصادي بحت يقوم على الصناعة ، وتوليد ثورة صناعية كبرى في قلب روسيا ترفع قدرات روسيا القومية في إنتاج الأسلحة والمعدات الثقيلة .
إلا أن الثغرة في قلب هذا التحول الاقتصادي كان يتمثل بالأبحاث التي يتم إجراؤها بشأن المعادن وكانت هي الباب الذي استطاعت ميليتا أن تدخل منه إلى قلب أخطر الأجهزة الروسية ، والكشف عن مخططاتها الاقتصادية الروسية الكبرى .
في هذا الوقت الحرج ، قام أحد مؤسسي الحزب الشيوعي البريطاني ، بترشيح ميليتا من أجل مهمة تسريب ، البحوث الروسية بشأن المعادن للجانب البريطاني ، وكان ذلك في عام 1935م .
هنا قام آندرو الذي رشح ميليتا لتلك المهمة ، إلى المسئولين عن المفوضية الخاصة بالشؤن الداخلية في روسيا والتي تحولت فيما بعد إلى لجنة أمن الدولة الروسية ، والتي كانت من مهامها تولي شئون الشرطة والشرطة السرية ، ليتم تجنيد ميليتا فعليًا لديهم كعميلة سرية في عام 1937م .
كانت ميليتا شيوعية حتى النخاع ، وقدمت كل ما تستطيع من دعم للمشروع السوفيتي النووي ، الذي صنع تغيرًا جذريًا في خطة الاتحاد السوفيتي ، عندما قرر صناعة القنبلة الذرية الروسية ، وقد ساهمت ميليتا بخبرتها وعلمها في مواجهة العديد من المشاكل والمصاعب ، التي كانت تمثل عائقًا صريحًا أمام المشروع النووي ، ونجحت مساهماتها بالفعل في نجاح الاتحاد السوفيتي في صناعة أول قنبلة ذرية له آنذاك ، وقبل خمسة أعوام من الخطة المقررة له .
حتى كاد أن ينكشف أمرها للجانب الانجليزي ، حيث كانت على قائمة من السماء التي وردت إلى بريطانيا بشأن الأشخاص المرتبطين بشبكات التجسس الروسية ، وتم اعتقال ثلاثة أشخاص منهم ، في حين لم يفلحوا في التوصل إلى العميلة هولا .
وقد ظلت تلك العميلة المتخفية هولا ، طي الكتمان والسرية البحتة لأربعة عقود متصلة ، حتى قام أحد المسئولين السابقين بالاستخبارات الروسية بتسريب مجموعة هائلة من أسماء عملائهم ، وذلك في عام 1992م وكان من بينهم العميل هولا والذي اتضح لبريطانيا فيما بعد ، أنه لم يكن سوى ميليتا نوروود ، والتي ظلت الاستخبارات البريطانية تبحث عنها طيلة تلك العقود المنصرمة ، ومثّل هذا الكشف كنزًا للاستخبارات البريطانية في هذا الوقت ، فيبدو أن الجانب الشيوعي بداخل ميليتا ، قد تغلب على انتمائها الأساسي لوطنها بريطانيا