لم يجمعهم الثلاثة سوى شيء واحد ، الضياع ، كلهم ضائعون ، كلهم فاقدون لهويتهم ، جثث هامدة مازال فيها بقية من نبض ، لم يشعر أي منهم بقيمة له في الحياة ، إلا بعد أن اقترب منه ، نعم ، الروائي المشهور ، ذلك الذي أعطى لحياتهم معنى ، وليته لم يفعل .
الضائع الأول :
الأول ، محامي فاشل ، قهرته ظروف الحياة ، لطالما حلم أن يتخرج ويصبح وكيلا للنائب العام ، كثيرًا ما ارتدى بذته السوداء وتأمل نفسه بشاربه الكث في المرآة ، أنه يشبههم تمامًا ، ولكن هيهات ، نسى أنه يعيش في بلاد الظلم والظلمات ، تخرج ولم يجد أمامه سوى اختيار من اثنين ، أما سائق ميكروباص أو مساعد كاتب محامي .
الضائع الثاني :
الثاني ، سيدة عزباء ، لا تربطها بالجمال علاقة من قريب أو بعيد ، لم تعش علاقة حب طوال حياتها ، كانت مشاعر الحب لديها دائمًا من طرف واحد ، طرفها هي بالتأكيد ، تعاني من وحدة قاتلة ، لا تزور أحدًا ولا أحد يزورها ، لا شيء مهم في حياتها ، تدور في فلك من الفراغ اللانهائي .
الضائع الثالث :
الثالث ، طالب في كلية آداب ، قسم علم النفس ، كليل النظر ، ضئيل الحجم ، يشعرك منظره بانه مازال طالبًا في الإعدادية ، يعلم تمامًا بأن مستقبله حالك الظلام ، أقصى ما يمكن أن يحلم به ، هو العمل كأخصائي نفسي في إحدى المدارس النائية .
الضياع :
حاصرهم الضياع جميعًا ، نكل بأرواحهم ، إلى أن التقوا صدفة ، التقى ثلاثتهم في أحد صالونات الروائي المشهور ، كان ذلك هو لقاءهم الأول ، هناك تعارفوا ، بهرتهم الأضواء ، وكاميرات القنوات الفضائية ، عالم جديد تماما بالنسبة لهم ، لأول مرة يرون كاتبًا مشهورًا وجها لوجه ، لم يصدقوا أنفسهم حين مد الروائي يده ليصافحهم ، معقول ، أمازال أناسا موجودين على قيد الحياة ، أما زلوا مرئيين للبشر ، لقد نسوا هذا الشعور منذ زمن طويل ، شعورهم بالضياع جعلهم يظنون أنهم غير مرئيين للبشر ، وجودهم أو عدهم لا يهم ، صاروا كما لو كانوا أشباح لأناس دهستهم عجلات الحياة.
ومنذ ذلك اليوم ، وأصبح هو شغلهم الشاغل ، قبلتهم في الحياة ، لا هم لهم الا حضور ندواته ، وقراءة رواياته ، أصبح التعليق على منشوراته والترويج لمحاضراته وكأنها عبادة يومية .
الروائي والمحامي :
لا ينسى المحامي ، ذلك اليوم عندما تهكم عليه وكيل النيابة ونصحه ، بأن يشتري توكتوك ليعمل عليه ، يومها أخرج صورة من جيبه جمعته مع الروائي المشهور ، وأشهرها في وجه وكيل النيابة صارخًا : هل لا تعلم من أنا ، أنا صديق الروائي المعروف شريف حمدان ، يومها ظل يحدق في الصورة طوال اليوم ، ولوهلة تخيل أنه غير موجود في الصورة ، أنه فقط الروائي المشهور في الصورة ، وبجواره لاشيء ، يومها بكى كثيرًا .
استغلال إلى ما لا نهاية :
وكما هو معلوم ، دوام الحال من المحال ، بعد تعدد اللقاءات والصالونات ، شعر الثلاثة بأن أهميتهم التي تخيلوها ، هي مجرد وهم في آذانهم ، هم لاشيء ، ما معنى تحلقهم حول الروائي أينما ذهب ، ما هي قيمتهم في الحياة ، ما هو الشيء الذي يميزهم عن غيرهم ، هم مجرد عرائس في يده يحركهم كيفما شاء ، إنه يستغلهم بلا رحمة ، مازالت السيدة العزباء ، تذكر كيف المح لها في يوم من الأيام أن تحضر له صديقتها الحسناء في منزله ، حتى الشاب كليل النظر لم يسلم من استغلاله ، لطالما مره أن يراجع رواياته لغويًا ويكمل له بعض فقراتها أحيانا ، حتى أن الشاب المسكين أوشك على فقدان بصره .
جريمة في مسرح العرائس :
فاض بهم الكيل ، سئموا قذارته ، قرروا أن يثأروا لكرامتهم المسلوبة ، حتى ولو خسروا وهج السهرات والبرامج التليفزيونية ، ولكن كيف ؟ في صباح اليوم التالي ، تصدر الخبر أدناه عناوين الصحف الرئيسية : مصرع روائي شهير في شقته بالزمالك ، في ظروف غامضة !!