أستعد الحاج عبدالهادي لقدوم عيد الأضحى ، وكان أحد كبار بائعي الأغنام في المدينة ، وكان يرى أن تلك الأيام التي تسبق العيد هي فرصة لتحقيق أرباح لا مثيل لها أثناء الشهور الأخرى من العام ، وكان يملك قطيعًا من ألف رأس من الخراف .
انتقل الحاج عبدالهادي إلى سوق المدينة الكبير قبل شهر من عيد الأضحى ، وهو السوق الذي يزود معظم جهات المدينة ومناطقها المحيطة ، ووظف سائقًا لشاحنته ، وقد أوكل إليه مهمة نقل الأغنام من الإسطبل إلى السوق ، كما استعان بثلاثة رجال مساعدين له في عملية بيع الأغنام.
ووضع استراتيجية للتعامل مع السوق ، حيث كان يقوم في كل مرة بنقل مئة خروف إلى السوق ، حتى ما إذا باعها استقدم عددًا مماثلًا ، وكان الإقبال كبيرًا على بضاعته ، وكادت الأغنام التي يملكها تكاد يتم بيعها بالكامل ، كما كان يضع ما يقتضيه من مال في حقيبة جلدية يعلقها على خاصرته .
وذات مرة نبهه السائق إلى خطر تعرضه للسرقة ، وأوصاه إنه من الأفضل أن يودع ما حصل عليه من مال في حسابه البنكي عن طريق أحد البنوك القريبة من السوق ، ولكن الحاج عبدالهادي لم يعطى اهتمام لنصيحة السائق ، وظل كل مساء وبعد عودته من السوق يجلس في غرفة ملحقة بالإسطبل ، وينام حتى اليوم التالي ليكون من المبكرين إلى السوق .
وكان يتخذ من الحقيبة الجلدية وسادة يضع رأسه عليها أثناء النوم ، بل وكان يظن أن تلك هي الطريقة المثالية للإحساس بأي عملية سرقة قد يتعرض لها ، ولعله كان محقًا فيما كان يظن .
قبل يوم العيد بأيام قليلة لم يبقى معه سوى ثلاثين رأس من الغنم ، وقد باع كمية من الأغنام تزيد عن مئتي خروف ، وفي الليلة التي تسبق عيد الأضحى أوي الحاج عبدالهادي إلى الغرفة الملحقة بالإسطبل ، وبينما أغرق في النوم أحس بشيء بارد يلمس رقبته .
لما فتح عينيه تبين شخصًا ملثمًا يحمل سكينًا كبيرًا يضعها بمحاذاة رقبته ، ويشير بيده الأخرى آلا يغامر بالصراخ ، وأخذ الملثم الحقيبة الجلدية وهرب ، وما إن رحل حتى هم الحاج عبدالهادي بالصراخ يطلب الاستغاثة ، وفي ذلك الوقت استيقظ السائق والمساعدين الثلاثة وعلموا بالأمر .
توجه الحاج عبدالهادي مع السائق ومعاونيه إلى أقرب مركز للشرطة للإبلاغ عن عملية السرقة ، وقامت الشرطة بمعاينة المكان ، لكن لم تعثر على أي أثر للمعتدي ، وعند استجواب السائق وأعوانه اجمعوا إنهم كانوا غارقين في النوم ولم يشعروا بتسلل السارق إلا بعد أن صاح الحاج عبدالهادي يطلب الاستغاثة ، ثم أخذت الشرطة بصمات الرجال الأربعة الذين أكدوا في أقوالهم أن لا سوابق لهم .
استمع عميد الشرطة بالتفصيل إلى الضحية ، وقد صرح الحاج عبدالهادي بأن المبلغ الذي كان في حقيبته يفوق الخمسين ألف وقال اسفًا إنه لم ينصت لنصيحة السائق رغم إلحاحه على الحاج عبدالهادي ، بأن يضع المال في حساب بنكي ، وقد حذره من تعرضه لعملية سرقة .
استوقف العميد إلحاح السائق بوضع المال في حساب بنكي ، فقد يكون ذلك الإلحاح والإسراف في النصح خير وسيلة لإبعاد الشبه عنه ، وبينما كان العميد يواصل الاستماع للحاج عبدالهادي ، جاءه أحد المساعدين بسجلات الأشخاص الأربعة ، ولم تكن للمساعدين الثلاثة أي سوابق وقد صدقوا فيما أدلوا به من أقوال .
بينما تبين كذب السائق الذي قضي عقوبة سابقة في السجن مدتها خمسة سنوات ، بسبب السرقة مع استعمال العنف ، وقررت الشرطة إخلاء سبيل الأربعة أشخاص ، وتشديد المراقبة على السائق ، وفي يوم العيد لوحظ خروج السائق من منزله فجرًا وقصد أحد المنازل ، وبعد مرور ساعة خرج بحقيبة جلدية .
استوقفه رجال الشرطة ، وتم العثور على مبلغ من المال في الحقيبة الجلدية حوالي ثلاثين ألف ، فاصطحبه رجال الشرطة إلى قسم الشرطة ، وأعترف إنه من دبر عملية السرقة بالتعاون مع شخص قد تعرف عليه من قبل في السجن ، وهو الذي قام بالاعتداء على الحاج عبد الهادي والسطو على حقيبته .