أحباب الله ؛ تلك هي اللفظة التي نسمعها عند ذكر الأطفال على أي وجه ، فهم ملائكة وضعهم الله في الأرض ، حتى يسعنا تقبل كل ما فيها من سوء ، فبفطرتهم تتجدد الحياة وتنبعث الآمال من جديد ، ولكن لك أن تتخيل بأن هناك من يمكنه أن يؤذيهم دون أن يطرف لهم رمشًا واحدًا .
نعم فالطفل ليس ملاكًا لدى البعض ، وإنما وسيلة للوصل إلى غاية ، وعندما يتحول الطفل إلى مجرد وسيلة ، تكن الغاية سيئة للغاية فمن تجارة الأعضاء ، إلى التسول أو القتل من أجل المال ، هنا نقف حائرين أمام الطبيعة البشرية التي قد تدفع إنسانًا ، لقتل تلك البراءة ، أيًا كان دافعه ، وأن يأتي الأمر من جانب المرأة ، تلك هي الدهشة في ذاتها.
تباينت الأسباب والدوافع التي خلّفها المجرمون دائمًا عند قيامهم بأعمال القتل أو الانتقام ، فكثيرًا ما نجدهم مختلون عقليًا أو مضطربون نفسيًا ، ولكن أن يرتكب أحدهم أثم من أجل المال !
هذا هو ما قد لا يخطر على قلب بشر خاصة إن أتت الجريمة بين يدي امرأة ، انركيتا مارتي ، لا أحد يعلم من أين أتت ولكنها بدأت حكايتها في برشلونة مع نهاية القرن التاسع عشر ، حيث كانت واحدة من الفتيات اللاتي يأتين إلى المدينة بحثًا عن فرصة جيدة للعمل وربح المال ، وغالبًا ما ينتهي بهن المطاف في الحانات كعاهرات بثمن بخس .
ولم تكن ارنكيتا بمنأى عن تلك المهنة حيث عملت في البداية كخادمة في منازل بعض الأثرياء ، ثم انتقلت بالعمل إلى مهنة الدعارة وصارت من أكثر الفتيات اللاتي يعرفهن الزبائن ، ومن خلال هذا العمل علمت انركيتا رغبات زبائنها خاصة الشواذ منهم في العلاقات ، فهؤلاء يدفعون ثروات طائلة لا قبل لأنركيتا بها ، من أجل تفريغ شحنات الفوضى الموجودة بداخلهم ، وإشباع ميولهم الجنسية السادية تلك .
وبالفعل بدأت انركيتا في توفير الأطفال المطلوبين لهؤلاء السادة حيث يفرغون بهم شحناتهم السادية ، لا أحد يعلم من أين كانت تأتي بهم انركيتا ولكنها كانت توفرهم ، وفي إحدى المرات داهمت الشرطة منزلها لتجد العديد من الأطفال من الجنسين من خمسة أعوام ، وحتى خمسة عشر عامًا ، وبالرغم من ضبطها متلبسة إلا أنه قد أُطلق سراحها ، بفضل زبائنها الأثرياء.
ولا أحد يعلم متى بدأت انركيتا تهتم بأمور السحر والقتل والوصفات السحرية ، ولكن في تلك الفترة تحديدًا كانت أوروبا تعج بالوصفات السحرية التي تعيد للمرأة شبابها وحيويتها ، فكان من المعروف أن دماء الأطفال تمتزج مع أشياء أخرى لتصنع إكسيرًا للحب ، بينما يدخل الشحم مع بعض الزيوت ليدهن به الجلد ويعيد إليه شبابه ، فتظل المرأة نضرة وشابة لا يطالها شيخوخة أبدًا.
ففي النهار كانت انركيتا تبدو متسولة وترتدي ثيابًا رثة ، تذهب لأحياء الفقراء وتراقب الأطفال من بعيد لتختار ضحيتها ، وتحملها إلى واحدة من أوكارها المنتشرة في المدينة ، وفي الليل تبدو ككونتيسة ثرية ، تذهب إلى المجتمعات الراقية بعربة خاصة ، وتتقرب من الأثرياء الجميلات وتعرض عليهن وصفاتها التي يعرفنها جميعًا ، ولكن دماء الفقراء ليست مهمة قدر الحصول على الشباب الدائم .
لم تدم سعادة أنركيتا طويلاً ، فقد أوقعها حظها العاثر في اختطاف طفلة تُدعى تريزيتا وضعتها في منزلها ، وعقب 17 يومًا من اختطاف الطفلة والبحث الدائم عنها وتعميم صورها ، كانت الطفلة داخل المنزل قد وجدت طفلة أخرى حدثتها عن الأمور التي تقوم بها أنركيتا ، حيث كان معها طفل آخر أخذته ومددته على الطاولة وذبحته ، ثم قامت بتعبئة دمائه في قناني زجاجية وخلطتها بأشياء أخرى ، ووضعت جسده في إناء يغلي لتقوم بعض الأمور المشابهة ، وعندما أدركت الطفلتان مصيرهما ، شاهدت واحدة من جيران أناركيتا الطفلة ، لم تتعرف عليها فهي تعرف أطفال الحي بأكلمة ، كما أنها تذكرت صورة الطفلة التي عممتها الشرطة ، وهنا أبلغت الشرطة.
فداهمت الشرطة المكان ووجدت الطفلتين ، واضطربت أناركيتا وادعت أنهما ابنتاها ، ولكن بتفتيش المنزل وجد المحققون أشياءً مرعبة ، دماء وبقايا أشلاء أطفال ، وملابس قديمة رثة ملقاة هنا وهناك ، وعقب القبض عليها أخذت الصحف تكتب عنها وتصفها بمصاصة دماء برشلونة ، ولكنها عندما اعترفت وزجت بأسماء كبيرة في الدولة آنذاك ، فلم تحاكم واختفى سجل اعترافاتها فجأة ، وظلت بالسجن لفترة ثم وُجدت مقتولة ، وادعت الشرطة أنها قد قُتلت بواسطة السجينات الأخريات ، وتم دفنها بسرعة في قبر حقير إلى جوار السجن ، وأغلق ملفها إلى الأبد.