كان العالم بن المبارك من أئمة السلف الذين شهد لهم بالعلم والخلق والعبادة، وكان من الشخصيات الفذة في التاريخ الإسلامي وحتى أن المرخون أطلقوا عليه لقب أمير المؤمنين وهو لم يكن حاكمًا لكنه كان أمير مؤمنين في حفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبن المبارك هو عبدالله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي وكان عبد الله بن المبارك ابن مولى من الموالي الترك دخل إلى بلاد المسلمين واعتنق الإسلام وتشرف به أما والدته فكانت حرة من خوارزم، وقد كان والد بن المبارك شابًا زاهدًا صالحًا وقد ورث ابنه عنه تلك الخصال، ومن بين أشهر القصص التي اشتهرت عن بن المبارك قصة زواج والده المبارك من ابنة صاحب بستان الرمان وهي أم عبدالله بن المبارك.

قصة زواج والد عبدالله بن المبارك

كان والد بن المبارك يعمل حارس في بستان بخراسان وكان يعمل طوال النهار من الصباح للمساء، ويقطع عمله للصلاة فقط، وفي أحد الأيام دخل صاحب البستان وطلب من المبارك أن يحضر له رمان حلو فأحضر له رمان حامض، فقال له صاحب البستان هذا الرمان حامض ائتني برمان غيره فأتى برمان حامض فغضب صاحب البستان وقال له هذا حامض أيضًا ألا تعرف أن تأتينا برمان حلو وأنت تعمل بالبستان منذ عدة سنوات ولا تستطيع التمييز بينهما، فقال بن المبارك لصاحب البستان والله لا أعرف الفرق فأنا لم أذقه أبدًا، فأنت لم تأذن لي.

فعجب صاحب البستان بدين المبارك وورعه، وسأل عنه أصحابه فمدحوا أخلاق المبارك، فاستدعاه في اليوم التالي وسأله يا مبارك إن ابنتي خطابها كثر فمن أزوجها؟، فقال له المبارك أعلم يا سيدي أن اليهود كانوا يزوجون بناتهم من أجل المال وكان النصارى يزوجون من أجل الجمال، وكان العرب في الجاهلية يزوجون من أجل النسب.

أما نحن المسلمين فنزوج من أجل الدين والخلق، فأعجب به صاحب البستان وقرر أن يزوجه ابنته، وقد ولد من هذا الزواج المبارك واحد من أعظم علماء عصره، وقد ولد عبدالله بن المبارك في مرو عام 118 للهجرة وقد لحق أواخر عهد بني أمية وعهد بني العباس، وتوفي في خلافة هارون الرشيد عام 181 للهجرة.

قصة هداية عبدالله بن المبارك

كان ابن في طفولته يحضر دروس العلم في الكتاب ويتلقى بعض العلوم، وقد ظهرت عليه علامات النبوغ منذ صغره إلا أنه انقطع عن العلم لفترة وفي شبابه كان يحب الموسيقى واللهو مع رفاقه، وفي أحد الأيام وهو راجع لبيته سمع فتى صغير يقرأ قول الله عز وجل :” ألم يأن للذين أمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله”، فبكى بن المبارك واهتز قلبه وقال بل آن يارب ، بعدها انكب بن المبارك على طلب العلم وكان حينها في العشرين من عمره.

وقد تميز عصر عبدالله بن المبارك أنه عصر النهضة العلمية حيث كانت العلوم مزهرة، ونبغ فيه أئمة كبار مثل الثوري والأوزعي ومالك وأبي حنيفة، وقد ركز بن المبارك على كثرة الاستماع من علماء الحديث وقد حمل بن المبارك العلم عن أربع آلاف شيخ، وحفظ عشرون ألف حديث ويقال أنه حفظ أكثر.

ويذكر في كتب السير أن بن المبارك زار جميع الأمصار التي كانت تقصد لطلب العلم في عصره من العراق إلى الكوفة إلى اليمن إلى مصر إلى الشام والحجاز

وقد تثقف بن المبارك بجميع أنواع العلوم في عصره من حديث وفقه وأدب وغير ذلك من العلوم، لكن بن المبارك كان مهتم بعلوم الحديث بشكل خاص، فقد قيل أنه كان يسافر ليستمع لحديث واحد فقط، ويقال أن أهل عصره عابوا عليه كثرة طلبه للحديث وقالوا له إلى متى تسمع، فقال لهم حتى الممات.

كما أنه كان يحرص على كتابة العلم عمن هم أعلى منه وعمن من هم مثله وحتى عمن هم أقل منه في العلم، وقد أعجب الناس بكثرة كتاباته وقالوا له إلى متى تكتب فقال لهم لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أكتبها بعد، وحتى في الأيام التي لم يكن يسافر فيها لطلب العلم كان يجلس في بيته وينكب على كتابة الحديث، ولم يشعر أبدًا بالضيق أو الوحدة لأنه كان يستأنس بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد كتب شعرًا عن أنسه بكلام الله ونبيه وسير أصحابه قال فيه:

ولي جلساء ما أمل حديثهم ألباء مأمونون غيبًا ومشهدًا

إذا ما اجتمعنا كان حسن حديثهم معينًا على دفع الهموم مؤيدًا

يفيدونني من علمهم علم ما مضى وعقلًا وتأديبًا ورأيا مسددًا

وكان أيضًا يحترف التجارة والتي ورثها عن أبيه المبارك، ويقال أنه كان من أعظم تجار عصره، وكان بن المبارك يرفض قبول أي هدايا أو هبات من الحكام أو الموسرين.

وقد أحب الناس بن المبارك والتفوا حوله، ويروى أن أمير المؤمنين قد زار الرقة وكان بها بن المبارك، فلما مر بجوار الملك التف الناس حول الشيخ فقالت إحدى زوجات الحاكم من هذا الرجل الذي ترك الناس موكب الإمام والتفوا حوله، فقالوا لها هذا بن المبارك هذا إمام الدنيا، فقالت هذا والله هو الملك.

وقد كان علماء عصره يسرون ويفرحون بمقابلته، فقد سأل  الأوزاعي رحمه الله عنه أبي عثمان الكلبي وقال له هل رأيت بن المبارك، فقال لا، فقال له لو رأيته لقرت عينك.

وفاة عبدالله بن المبارك

وقد توفي بن المبارك في شهر رمضان حيث خرج لإحدى الغزوات، ولما وصل لمدينة تدعى هيت ويقال أنها قرية على نهر الفرات من نواحي بغداد، توفي هناك وكان عمره حينها ثلاثة وستون عامًا تقريبًا، ودفن في هيت رحمه الله.

By Lars