زخر التاريخ الإسلامي بمجموعة كبيرة من العلماء المبدعين في كافة المجالات وخاصة فترة العصر العباسي فبينما أطلق على تلك الفترة في أوروبا اسم العصور المظلمة، سميت تلك الفترة بالعصر الذهبي للإسلام نظرًا لكثرة لتقدم الدولة الإسلامية بمختلف أقطارها في جميع المجالات.

وكان مجال الطب من أكثر المجالات التي شهدت تطورًا كبيرًا وقد ساعدت الاكتشافات الطبية التي حدثت في هذا العصر في التطور العلمي الذي حدث في أوروبا بعد ذلك حيث تم نقل العلوم التي اكتشفها العرب إلى أوروبا وبدأوا في تطويرها.

وكان من بين العلماء الذين قدموا إسهامًا كبيرًا في مجال الطب عمار الموصلي، والذي استطاع تشريح العين بدقة وبمنهج علمي سليم، واستطاع أن يصل لعلاج للعديد من أمراض العيون التي لم يتم علاجها من قبل، وحتى انه اخترع أدوات دقيقة لإجراء جراحات العيون وتعمل بنفس الآلية التي تعمل بها بعض الأدوات الحديثة المستخدمة في جراحة العيون.

واسمه الكامل  أبو القاسم عمار بن علي الموصلي، وقد ولد في الموصل، ولهذا لقب بالموصلي، وقد كانت الموصل مدينة زاخرة بالعلماء والأطباء وقد تعلم الموصلي وتتلمذ على يديهم وقد تخصص في طب العيون.

تنقل الموصلي بين عدة أقطار إسلامية لينهل من العلوم التي تركزت كلها حول طب العيون، وقد تعلم عمل تركيبات الكحل وطرق مزجه بالعقاقير المتنوعة لعلاج أمراض العيون.

وانتقل الموصلي بعد ذلك استقر في القاهرة في زمن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله وعمل فيها كطبيب للعيون وكان يعرف حينها باسم الكحال، وذاع صيته كثيرًا كطبيب عيون.

ولم يكن الموصلي من العلماء الموسوعين الذين بحثوا في شتى أنواع العلوم، لكنه تخصص في دراسة العين بشكل كلي فكان يقابل أطباء العلماء والكحالين في جميع المناطق التي سافر إليها ليستفيد من علومهم، واستطاع أن يطور هذا المجال يصبح فرعًا مستقلًا بذاته من فروع الطب.

وقد قام بتأليف كتابه الوحيد الذي يحمل اسم “المنتخب في علم العين وعللها ومداواتها بالأدوية والحديد”، وقد ألفه بناءًا على طلب من الخليفة الحاكم بأمر الله، وجميع فيه كل ا تعلمه واكتشفه من خلال ممارسته لعلاج العيون وممارسة مهنة طب العيون حيث كان قد أجرى الكثير من العمليات الجراحية الناجحة لعلاج العيون.

وقد تكون كتاب الموصلي من مائة وخمسة وعشرين فصلاً تضمن شرح تشريح العين ووصف فيه واحد وخمسين مرض من أمراض العيون وقد وصف كل مرض وأعراضه وطرق علاجه اعتمادًا على التجارب السريرية التي أجراها.

زفي الكتاب شرح الموصلي تركيب العين بدقة، فقال أنها تتكون من ثلاث طبقات وثلاثة رطوبات وتسعة عضلات وأعصاب متصلة بها ، وقد أسمى الطبقات بالشبكية لأنها مكونة من شرايين وعروق مشبكة مثل شباك الصيادين ، والمشيمية لأنها مشتملة على طبقة الشبكية ويليها الطبقة الصلبة، وهذه الطبقة جعلها المولى عز وجل ملاصقة لعظم حتى لا تشعر العين بصلابة العظم وقسوته، وقد جعل الله تلك الطبقات الثلاثة لتخدم الرطوبات وتدفع عنها أي ضرر.

وكان الموصلي أول من استخدم مصطلح حدقة العين، وكان من قبله يطلقون عليها اسم ثقب العنبية.

وكان من بين الأمراض التي توصل لعلاج ناجح لها هو مرض المياه البيضاء أو الساد كما أسماه العرب قديمًا، وذلك لأنه كان يتسبب في تكون طبقة تسد العين، وهو مرض كان يسبب فقدان البصر لأنه لم يكن يعالج بشكل صحيح.

وقد اخترع الموصلي أداة لإجراء جراحة المياه البيضاء تسمى المقدح الأجوف، وهو تطور للمقدح الذي كان الطبيب اليوناني أنطليوس يستخدمه لعلاج العيون خلال القرن الثاني الميلادي، لكن مقداح الموصلي كان أكثر تطورًا حيث كان مصنوع من النحاس حتى لا يسبب أذى للعين مثلما كان يفعل مقداح أنطلينوس الزجاجي، وأيضًا فإن بعض علماء العرب قد استخدموا طرق لعلاج هذا المرض، لكن طريقة الموصلي كانت أكثرها تطورًا ونجاحًا.

وهذا المقداح كان عبارة عن أنبوب مجوف يشبه الإبرة كان يستخدم لشفط المياه البيضاء من العين، وقد شرح الموصلي طريقة استخدامه في الكتاب، أيضًا حدد الوقت المناسب لإجراء تلك الجراحة وهو الوقت الذي يكون المرض قد ضج فيه.

وحدد الموصلي علامات نضج المرض بأنها الفترة التي يصبح فيها المريض غير قادر على تمييز الألوان.

وكان الموصلي يقوم بتفتيت الساد ثم سحبه خارج العين بطريقة ناجحة وباستخدام ستة أساليب مختلفة، وقد دون الموصلي في كتابه جميع الحالات الغريبة التي شاهداها أثناء قيامه بإجراء جراحات العين والمضاعفات التي كانت تصيب بعض المرضى بعد العمليات وهذه هي الطريقة الحديثة المتبعة عند اجراء التجارب السريرية في العصر الحديث، ولذلك أصبح هذا الكتاب مرجع هام لكل الأطباء الذين أتوا من بعده وتخصصوا في دراسة العين مثل الغافقي.

أيضًا استطاع الموصلي أن يتوصل لطريقة لعلاج غطش البصر لدى الأطفال وهو حالة تعرف في الطب الحديث باسم العمى الشقي أو فقدان ربع المجال البصري، وهذا الخلل كان يحدث بسبب حول العين لدى الأطفال.

وقد عالجه الموصلي عن طريق تغطية عين واحدة للطفل وهي العين السليمة، وقد تم اقتباس مقاطع من كتاب الموصلي في كتب من تبعه من الأطباء مثل  محمد بن قسوم بن أسلم الغافقي وهو مؤلف  كتاب يسمى  المرشد في الكحل وقد اقتبس في هذا الكتاب  من الموصلي عدداً من وصفات الأدوية والطرق الجراحية وخاصة عملية قدح الماء فقد ذكرها بأكملها كما شرحها الموصلي.

كما أورد العالم صلاح الدين بن يوسف الكحال الحموي عدة اقتباسات من  كتاب المنتخب، وتمت ترجمة الكتاب للغة اللاتينية ونقل إلى أوروبا ليدرس في كليات الطب هناك.

وبالنسبة لحياة عمار الموصلي الخاصة فلم يعرف عنها الكثير حتى تاريخ ميلاده وتاريخ وفاته غير معروفين بدقة، لكن يعتقد أنه قد توفي في القاهرة عام 1020 للميلاد.

By Lars