شهدت فترة العصور الوسطى ، الكثير من المعاملات القاسية ضد البشر أنفسهم ، منهم ولهم ، فكما ذكرنا قصصًا عن تعذيب النساء وإهانتهن ، بأشكال مختلفة ، فقصة هذا الملك الذي تم التنكيل به ، وتعذيبه شر تعذيب ، هو وأكثر من سبعين ألف مواطنًا آخرين ، قد تتوقف أمامها طويلاً ، لتدرك فقط أن الإنسان ، ماهو إلا كتلة مشتعله من الشرور ، والقسوة المبالغة وتلك هي قصته .
وقعت أحداث قصتنا في المجر ، عام 1470م حيث ولد ونشأ شخص يدعى جورجي دوجا ، هذا الرجل الذي أمضى حياته جنديًا مرتزقًا ، وكان يشتهر بجرأته وشدة بأسه .
وحينما كانت الحملات الصليبية في أوجها ، توجه نبلاء المجر إلى جورجي ، وعملوا على تكليفه بمهمة كبرى ، أثناء تخطيطهم للتوسع ومهاجمة القسطنطينية وإسقاطها في هذا الوقت .
فاستمع إليهم جورجي ، وعمل على تكويت جيشًا من المواطنين الفقراء ، بلغ قوام هذا الجيش أربعة آلاف مقاتل ، تم تدريبهم بعناية ، من أجل مهمتهم القادمة ، وذلك لعدة أسابيع متصلة ، إلا أن الجيش لم يتحرك خطوة واحدة ، لتحقيق غايته ، بل على العكس من ذلك ، تحول الجيش إلى قنبلة متحركة داخل البلاد ، فبعد أن حرموا من كل شيء وهيأوا أنفسهم ، لملاقاة الأعداء والاستفادة من تجهيز النبلاء لهم ، إذا بالنبلاء يتقاعسون عنهم ، ويمتنعون عن تقديم الثياب والطعام والشراب لهم ، حتى جاعوا فبدؤا في ثورة ولكن ضد النبلاء ، والدولة نفسها .
تطور الأمر سريعًا وبصورة خطيرة للغاية ، وسقطت عدة مدن وعدد من النبلاء ، وتم الاستيلاء على نفوذهم ، وقيل أن جورجي نفسه لم يكن راضيًا أبدًا عما حدث بالبلاد ، من مذابح واستغلال للنبلاء ، ولكنه في النهاية كان قد فقد السيطرة على أتباعه حقًا .
بالطبع تلك الثورة جعلت كافة النبلاء ، في قلق وتوتر شديد خوفًا على أنفسهم ومالهم وثرواتهم ، فقام نبلاء المجر وبعض ملوك البلاد المجاورة لهم ، بتكوين جيش حاشد قوي ، وأرسلوهم للقضاء على ثورة الفقراء تلك ، من أجل تجنب هذه المذابح والحفاظ على أرواحهم ، وبالفعل تمكن الجيش من القبض على عدد كبير من المرتزقة ، وقتلوهم شر قتل ، وأسروا الكثيرون منهم .
كان مصير المرتزقة مظلمًا وبشدة ، فبعد أن ألقي القبض عليهم وأسرهم ، تم تعذيبهم ثم خوزقتهم في الميادين العامة ، واغتصبت نسائهم وبيع أطفالهم في الأسواق لبلدان أخرى ، وكان هذا التنكيل من أجل جعل جورجي ورفاقه ، عبره لمن يعتبر ، وحتى لا يتجرأ أحد بعد ذلك ، على نبلاء القوم وملوكهم ، فتم تعذيب كل الأسرى ، وأتى النبلاء بجورجي وقد قرروا أن ينال العذاب الأكبر، ظنًا منهم بأنه هو من حرض أتباعه على ما فعلوا ، طمعًا في الحصول على تاج الملك .
قاموا بعمل عرشًا من الحديد ، وأشعلوا النيران أسفله ، ثم جروا جورجي إليه جرًا بعدما قيدوا يديه وقدميه ، ثم أتوا بتاج كبير تم إشعال النيران به حتى احمر لونه ، وألبسوه التاج فوق رأسه ، وهو بتلك السخونة قبل أن يجلسوه عنوه فوق العرش المشتعل ، ليبدأ جورجي بالصراخ والعذاب البشع هذا ، وهو حي .
ولم يكتفي النبلاء بذلك فقط ، بل أتوا برجال من أتباعه كانوا لم يأكلوا منذ أيام ، وقطع رجال النبلاء أجزاء من لحم جورجي المشوي ، ودفعوا به أمام رجاله ليأكلوا منه ، إلا أن بعضهم رفض ذلك ، فتم قتلهم وقبل آخرون أن يأكلوا لحمه ، فكان جورجي يشاهدهم يأكلون لحمه وهو حي ، وبعد أن فاضت روحه لبارئها ، قطعوا رأس جورجي ، وعلقوه على سارية في ميدان عام .
وحاليًا يوجد تمثال لجورجي في المجر ، وقد وضع بالمكان الذي أحرق وعذب فيه ، تمثالاً للسيدة للعذراء ، وهناك العديد من الشوارع والأماكن التي تحمل اسمه .