العالم ورجل الأعمال الهولندي أنتوني فيليبس فان ليوينهويك ، هو أحد علماء العصر الذهبي للعلوم والتكنولوجيا بهولندا ، والذي قدم للعلم أول مجهر ضوئي معترف به ، لإثراء علم الأحياء الدقيقة .
وأثارت دراسات فان ليوينهوك الكثير من الانتباه في المجال الطبي ، فكان أول من درس واكتشف الحياة الميكروبية المجهولة ، وكان هذا الأمر من أبرز اكتشافاته وأعماله التي حققها ، بعصر العلم الذهبي الهولندي ، والذي يقع في الفترة من عام 1590م وحتى عام 1720م .
وكان أول مكتشف للكائنات الدقيقة ذات الخلية الواحدة ، وأول من وثّق الملاحظات المجهرية للألياف العضلية والبكتيريا والحيوانات المنوية ، بالإضافة إلى كيفية تدفق الدماء إلى الشعيرات الدموية ، وعلى الرغم من كل تلك الاكتشافات إلا أن فان ليوينهويك لم يؤلف كتابًا واحدًا في علم الأحياء ، وبرزت اكتشافاته إلى الجميع وفقًا لمراسلاته مع الجمعية الملكية ، التي قامت في نهاية الأمر بنشر كافة رسائله .
نشأته ودراسته :
ولد أنطوني فان ليوينهوك في ديلفت في شهر أكتوبر من عام 1632م ، بمدينة ديلفت في الجمهورية الهولندية ، والده هو السيد فيليبس أنتونيز وكان قد توفى ولم يتعد عمر فان حوالي خمسة أعوام ، ووالدته هي السيدة مارغريثا فان دن بيرش ، وهي سليلة عائلة أرستقراطية تزوجت مرة أخرى ، من الرسام يعقوب جانز مولين ، وكان لديه أربعة شقيقات .
ارتاد فان المدرسة في مدينة وارموند الهولندية لفترة قصيرة ، قبل أن يتم إرساله للعيش برفقة عمه الذي يعمل بالمحاماة في مدينة بنثويزن ، وعندما بلغ فان السادسة عشرة من عمره عمل متدربًا في متجر للكتان في مدينة درابر بأمستردام ، ولكنه غادر المكان عقب مرور ستة أعوام .
تزوج فان ليوينهوك من باربرا في عام 1654م ، وفي نفس العام عاد فان ليوينهوك إلى مدينة ديلفت مسقط رأسه ليستقر ويستكمل دراسته بقية حياته .
وبحلول عام 1666م توفيت زوجته باربرا ، وكان فان قد افتتح متجرًا خاصًا به عقب انتقاله إلى ديلفت ، ومع نمو نشاطه وتجارته تزوج مرة أخرى من السيدة كورنيليا سوالميوس ، وكانت وحيدة بلا أطفال وذلك في عام 1671م .
وكان ليوينهوك قد تم تعيينه عام 1660م في منصب مديرًا لجمعية المحافظين بمدينة ديلفت ، وهو المنصب الذي تولاه ليوينهوك طيلة أربعين عامًا متصلة بعد ذلك .
طوّر ليوينهوك من نشاطه وقام بابتكار عدسات قوية تخدم في مجال دراسة العالم المجهري ، ثم قدم ما اخترعه إلى صديقه الطبيب الهولندي البارز راينيه دي غراف ، والذي قام بمراسلة الجمعية الملكية بشأن لعدسات التي ابتكرها صديقه ليوينهوك .
عندما قرأ ما نشرته الجمعية بشأن العمل الرائد ، الذي قام به صانع العدسات الإيطالي في مجلة المعاملات الفلسفية ، والتي تصدر عن الجمعية بشكل دوري ، فقام دي غراف آنذاك بمراسلة رئيس تحرير المجلة هنري أولدنبورغ ، داعمًا صديقه قائلاً بأن ما صنعه يتجاوز في دقته ما شاهدوه جميعًا.
وردًا على مراسلة الطبيب دي غروف ، نشرت الجمعية الملكية في عام 1673م رسالة من ليوينهوك ، أشار فيها بشكل تفصيلي إلى ملاحظاته بشأن كل من الخلايا الأحادية ، وفحص لبعض الكائنات الدقيقة بعض الشيء مثل النحل والقمل وغيرهم .
استحوذ عمل ليوينهوك على اهتمام كافة أعضاء الجمعية الملكية ، وبدأ في إجراء لقاءات منتظمة داخل الجمعية يشرح فيها ملاحظاته بشأن الكائنات الدقيقة ، عقب استخدامه للمجهر الضوئي الدقيق الذي قام بتصنيعه بنفسه ، حيث كان ليوينهوك مترددًا في البداية في عرض تلك الملاحظات ، ونشر النتائج التي توصل إليها ، نظرًا لكونه رجل أعمال ذو خلفية علمية ، ويعمل بالفن والكتابة قليلاً ، ولكن صديقه الطبيب دي غروف شجعه على أن يثق بعمله أكثر من ذلك .
أعماله :
قام ليوينهوك بإرسال ما يقرب من مائة وتسعين رسالة إلى الجمعية الملكية ، شرح من خلالها ما توصل إليه من نتائج في مجموعة واسعة من المجالات ، وكانت كلها بشأن عمله على المجهر الضوئي.
كانت كل النتائج التي توصل لها ليوينهوك قد كتبها باللغة الهولندية ، ولكنه لم ينشر طوال حياته أبدًا أية ورقة بحثية باللغة اللاتينية ، كما كان يفضل العمل بمفرده ولا يثق في أحد ممن أرادوا تقديم المساعدة ، إلى جانب قيامة بترجمة ليوينهوك الحروف الهولندية إلى اللاتينية والانجليزية قبل أن يفعلها هنري أولدنبورغ ، الذي تعلم اللغة الهولندية من أجل ذلك خصيصًا .
وعلى الرغم من النجاح الذي حققه ليوينهوك برفقة الجمعية الملكية ، إلا أن العلاقات ما لبثت أن توترت ، فبحلول عام 1676م تم التحقيق بشأن مصداقية ما أرسله ليوينهوك من ملاحظات للجمعية ، بشأن الكائنات المجهرية ذات الخلية الواحدة ، والتي كان وجودها في هذا الوقت مجهولاً تمامًا ، إلى أن تم التحقق من الأمر فعليًا ونال ليوينهوك مصداقيته مرة أخرى .
وفاته :
عانى فان ليوينهوك من أحد الأمراض النادرة ، التي تصيب الحجاب الحاجز بالجهاز الهضمي ، ويعرف حاليًا هذا المرض باسم مرض فان ليوينهوك ، وقد لقي مصرعه إثر إصابته بهذا المرض عن عمر ناهز التسعون عامًا ، في 26 أغسطس من عام 1723م ، وتم دفنه عقب مرور أربعة أيام في مقابر مدينة ديلفت مسقط رأسه .