يترك العلماء ميراثًا عظيمًا لخدمة البشرية في كل مكان وزمان ، ويخلدون أسماءهم وأعمالهم بحروف من ذهب تُنقش في ذاكرة التاريخ ؛ مهما مرّ الزمان تبقى اختراعات واكتشافات وأبحاث العلماء بمثابة النور الذي يضيء أرجاء العالم ، ومن أهم العلماء الذين أضافوا للعلم ضياءًا ونورًا العالم المسلم عباس بن فرناس .
وُلد أبو القاسم عباس بن فرناس عام 810م في رندة بإسبانيا ؛ وتزامن ميلاده مع وجود الدولة الأموية بالأندلس ؛ وتعود أصول أسرته إلى الأمازيغ التابعين إلى موالي بني أمية ، عاش بن فرناس في قرطبة وتلقى علومه فيها ؛ وظهرت براعته في مجالات الكيمياء والفلك والفلسفة .
حصل عباس بن فرناس على مكانة خاصة ومميزة عند الأمراء وكبار الشعراء ؛ حيث اتخذه الأمير عبد الرحمن بن الحكم كمُعلمًا ليعلمه الفلك ، ونظرًا لمكانته العظيمة أُطلق عليه لقب “حكيم الأندلس” ؛ كان عالمًا مشهور بذكائه الشديد ؛ كما اتسم بوعيه وموهبته في مجال الشعر ، واستطاع من خلال موهبته أن يفك كتاب العروض الخاص بالفراهيدي ، ولم يقتصر الأمر على هذا الحد بل فاقت موهبته الحدود لتصل به إلى حد البراعة في مجال الموسيقى والضرب على العود .
قام عباس بن فرناس بتصميم ساعة مائية ؛ وقد أطلق عليها اسم الميقات ، واستطاع أن يتوصل إلى طريقة تمكنه من صناعة الزجاج الشفاف من المواد الحجرية ؛ كما برع في صناعة النظارات الطبية ، وقام بصناعة ما يُعرف باسم ذات الحلق ؛ وذلك من أجل أن يُحاكي حركات النجوم والكواكب.
استطاع بن فرناس استحداث طرق تُمكنه من تقطيع أحجار معروفة باسم المرو موجودة بالأندلس ؛ حيث كانت تُرسل إلى مصر لتقطيعها ؛ وبعد تلك الطريقة التي ابتكرها أصبح من السهل تقطيع تلك الحجارة بالأندلس ، تميز بن فرناس بصناعته لأول قلم حبر عُرف في التاريخ عن طريق صناعة أسطوانة تتصل بها حافة مُدببة وبجوارها حاوية مليئة بالحبر الذي يتدفق إلى الاسطوانة ؛ وينزل من خلالها إلى الحافة وتتم عملية الكتابة .
قام عباس بن فرناس باستخدام تقنيات عالية الجودة موجودة بمعمله الخاص في بناء غرفة نموذجية تُحاكي في شكلها مشهد النجوم والصواعق ومظاهر المناخ المختلفة التي تظهر في السماء ، حاول بن فرناس أن يسبق الزمن بمحاولته للطيران والتي تُعد من أهم وأعظم انجازاته ؛ حيث استخدم جناحين وحاول أن يطير بهما بالقرب من قصر موجود ببغداد ويُعرف باسم قصر الرُصافة .
تفوق بن فرناس في اختراعاته غير المسبوقة ؛ وبالرغم أن محاولة الطيران لم تُجني ثمارها المطلوبة آنذاك إلا أنها تُعتبر من أعظم المحاولات ؛ حيث سبق بها المحاولة التي قام بفعلها إلمر ألمالمسبوري ؛ حيث حاول أن يطير باستخدام طائرة شراعية في انجلترا وكان هذا الحدث تقريبًا خلال الفترة من عام 1000م إلى عام 1010م .
بعد أن اشتهر عباس بن فرناس بتلك الاختراعات التي سبق بها الأزمنة ؛ تم اتهامه بالزندقة والكفر ؛ وعُقدت جلسة لمحاكمته أمام الناس بالمسجد الجامع ، ولكن انتهت القضية بحصوله على حكم البراءة ؛ وذلك لأن الاتهامات كانت قائمة على الجهل والمبالغة .
وتكريمًا لتاريخ عباس بن فرناس المُفعم بالاختراعات والاكتشافات العلمية ؛ تم وضع اسمه على فوهة قمرية ؛ كما صُنع له تمثال تم وضعه أمام المطار بمدينة بغداد ، وسُمي أحد المطارات الموجودة بشمال بغداد باسمه ؛ كما سُمي فندق مطار طرابلس باسمه ، وهناك بعض الأماكن التي حملت اسمه كنوع من التشريف والتكريم ، وقد توفي بن فرناس عام 887م في عهد الأمير