هو واحد من أشهر الشعراء في الأدب الجاهلي ، بل هو أشهرهم على الإطلاق ، وهو رأس الطبقة الأولى من شعراء العرب ، كما أنه من أصحاب المعلقات ، شغلت أشعاره النقاد ، فوقفوا على شعره شرحًا وأفردوا له دراسات تفصيلية ، فقد كان سباقًا إلى كثير من المعاني والصور .
حياة امرئ القيس ونشأته :
هو من قبيلة كندة ، يماني الأصل ، ولد عام 496-544م بنجد ، في منطقة بطن ذي عاقل كان والده ملك أسد وغطفان ، واختلف في نسب أمه فقد ذكر الرواة أن أمه ، هي فاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن زهير ، أخت كليب ومهلهل ابني ربيعة التغلبيين.
قرض الشعر وهو غلام ، وجعل يشبب بالنساء ، ويلهو ، ويعاشر صعاليك العرب ، كعادة أبناء الملوك ، فانتهي ذلك إلى علم والده ، فأبعده إلى حضرموت موطن عشيرته ، وهو في العشرين من عمره ، ولكنه استمر يتنقل مع أصحابه في أحياء العرب ، يشرب ويطرب ، ويغزو ، ويلهو .
النساء في شعره :
إذا تحدثنا عن شخصية هذا الشاعر الشاب الوسيم ، فلا يمكن أن نغفل حبه للنساء ، والتشبيب بهن ، وقد ورد في شعره الكثير من أسماء النساء ، ذكر ابن قتيبة منهن ثلاثًا هن : فاطمة بنت العبيد العامرية ، وأم الحارث الكلبية ، وعنيزة صاحبة يوم دارة جلجل ، وهناك نساء أخريات وردت أسماؤهن في شعره ، وفي أخباره المروية ، كأمّ جندب ، وزوجته هند الكندية ، وابنة القيصر .
أهم الحوادث التي غيرت حياته :
عاش هذا الشاعر حياته بين قطبي اللهو والحرب ، فقد كان لاهيًا عابثًا ، حتى ثار بنو أسد على أبيه فقتلوه ، فبلغه ذلك وهو جالس للشراب فقال: رحم الله أبي ! ضيعني صغيرًا وحملني دمه كبيرًا ، لا صحو اليوم ولا سكر غدًا ، اليوم خمر وغدًا أمر ، حيث طاف شبه الجزيرة طولها وعرضها باحثًا عن أنصار ، لدعمه في سعيه للثأر لأبيه واسترداد ملكه ، أو هاربًا من أعدائه.
الملكة الشعرية عند امرئ القيس :
اتفق النقاد أنه نجم ساطع في سماء الشعر العربي في كل عصوره ومراحله ، ولا يمكن أن ينكر منكر دوره في شكل القصيدة العربية في العصر الجاهلي ، حيث انطلق من ملكة شاعرية متفردة ، وأساليب شعرية غير مسبوقة.
فأصبحت أشعاره مع الأيام والعصور ، سننًا وطرائق لا سبيل إلى تجاوزها أو حتى تغييرها وتطويرها ، من ذلك استيقاف صحبه ، والبكاء في الديار ، ورقة النسيب ، وقرب المأخذ ، وتشبّيه النساء بالظباء وتشبّيه الخيل بالعقبان والعصيّ ، وقيّد الأوابد .
من أشعاره الخالدة :
وقف كثير النقاد حول أبيات أنارت الطريق لمن بعده في الخيال والصور ، وتخلدت في ذاكرة الزمان ، وأصبح بسببها أشعر الشعراء في تاريخ آداب العرب ، فمنها قوله في وصف الفرس:
مكر مفر ، مقبل مدبر ، معًاك جلمود صخر حطه السيل من عَلِ
وقوله في اشتداد الهم في الليل ، مع استواء الليل والنهار في أنواع الظلمة والهموم:
ألا أيها الليل الطويل ألا انْجلي بصبح ، وما الإصباح منك بأمثل
بناء القصيدة والصور في شعره :
من التقاليد الفنيّة للقصيدة الجاهلية ، تعدّد الموضوعات فيها من فخرٍ ، ورثاء ، وغزلٍ ، وكذلك جاءت قصائده تحمل الكثير من الموضوعات ، وكان شعره عفويًا في التعبير عن خطرات قلبه ومعاناته ، ويحمل شعره بين طياته أنسام البوادي ، وقسوة الفيافي.
واتسم شعره أيضًا بصدق التعبير ، وبساطة الخيال والتشبيهات والصور ، بالرغم من الألفاظ التي نراها غريبة ، وغير مفهومة فقد كانت مفهومة وقتها ، فقد جاءت تلك التشبيهات من البيئة المحيطة به والواقع الذي يعيشه ، إلى جانب بساطة قصائده ووضوحها ، أمّا لغتُه فتتميّز بالرقة في الغزل والنسيب ، وبالفخامة والجزالة في الفخر والمدح .
وفاة امرئ القيس :
كانت وفاته أثناء تنقله بين البلاد ليبحث عمن ينصره في إعادة ملكه الضائع ، حيث وصل إلى بلاد الروم إلى القسطنطينية ، وبعد شباب قضاه في الحرب ، والثأر والتنقل ، تعب جسده وأنهك وتفشى فيه ، وهو في أرض الغربة داء الجدري ، فلقي حتفه هناك في أنقرة في سنة لا يكاد يجمع على تحديدها المؤرخون .