والده الشيخ فلاح بن حثلين الذي قُتل عام 1845م ، ثم خلفه أخيه الشيخ حزام بن حثلين في زعامة قبيلة العجمان ، وعقب أن أمضى الشيخ حزام زعامة القبيلة على مدار خمسة عشر عامًا ، تنازل عن زعامته لابن أخيه الشيخ راكان بن فلاح بن حثلين بحلول عام 1859م نظرًا لكِبر سنه ، وكان عُمر الشيخ راكان بن حثلين أثناء تولّيه زعامة القبيلة آنذاك 46 عامًا.
قصة الأسر :
كانت الإحساء في الفترة التي تولى فيها الشيخ راكان زعامة قبيلته ، تحت الحكم العثماني فيما عرف باسم السنجق العثماني ، وكانت الدولة العثمانية آنذاك تقوم بدفع الأموال بصفة دورية كل عام ، من بيت مال المسلمين إلى بعض القبائل فيما يُعرف بالخريجة ، وكانت إحدى تلك القبائل هي قبيلة عجمان الواقعة تحت زعامة الشيخ راكان ، وكان الهدف من تلك الأموال المدفوعة للقبائل هو أن تضمن الدولة العثمانية الأمان لقوافلها عند المرور بتلك القبائل ، خاصة الواقعة منها على الطرق الرئيسة الموصّلة للدولة العثمانية.
وكانت قبيلة عجمان إحدى تلك القبائل الواقعة على امتداد شبه الجزيرة العربية ، ومن عادة أهلها أن يقوموا بالارتحال في فصل الشتاء لرعاية ماشيتهم ، ثم يعودوا إلى موطنهم الأصلي بحلول فصل الصيف من أجل المياه .
وجرت العادة أن يقوم الشيخ راكان بتوكيل أحد الأشخاص باستلام الخريجة المدفوعة من الدولة العثمانية لقبيلته في الإحساء ، وكان راكان قد وكّل شخصًا يُدعى ابن عودة ، وهو من أهل المراح الواقعة في شمال الإحساء.
وفي إحدى المرات كانت القبيلة قد رحلت من موقعها واستقرت إلى البر ، فانطلق الشيخ راكان بصحبة ستة أشخاص آخرين وذهبوا معًا إلى ابن عودة ، من أجل الاتفاق معه على استلام الخريجة السنوية ، وواعده على يوم آخر ليتسلم منه الخريجة الخاصة بقبيلته .
عقب انصراف الشيخ راكان ، طلب الوالي العثماني آنذاك من ابن عودة ، أن يبلغه بموعد قدوم الشيخ راكان من أجل القبض عليه ، وبالفعل عندما وصل الشيخ راكان إلى ابن عودة ، قام الأخير بعمل مأدبة له وألح عليه كثيرًا في تناول العشاء معه ، وبالفعل بقي الشيخ ومن معه في ضيافة ابن عودة ، الذي أرسل فورًا إلى الوالي العثماني ليخبره بوجود الشيخ راكان لديه بمنزله ، وقدِم الجنود الأتراك إليه وتم إلقاء القبض على الشيخ راكان وهو على مائدة العشاء لدى ابن عودة ، الذي ائتمنه الشيخ على ماله وحياته وكان لا يرتقي لتلك الأمانة قط.
وتم تقييد الشيخ راكان ومن معه أيضًا ، وإرساله إلى اسطنبول مباشرة في تركيا ، عن طريق البحر بعد أن غادروا الإحساء ، أما من كانوا معه فتم إرسال بعضهم إلى إيران ، والبعض الآخر إلى البحرين ، وعقب وصول راكان إلى اسطنبول تم إيداعه بسجن إحدى القلاع الواقعة خارج مدينة اسطنبول.
وإبان فترة تواجد الشيخ راكان بن حثلين داخل السجن ، وقعت حرب طاحنة بين كل من الأتراك ودولة الأساقفة ، كانت الغلبة فيها والنصر للأساقفة على الأتراك ، وكان بين الفريقين حفرة كبيرة للغاية ، تم صنعها حتى لا يستطيع الفرسان أن يتخطونها ويصلوا مباشرة إلى الجهة المقابلة لهم .
وكان من بين جنود الأساقفة فارسًا أسود يمتطي جوادًا أسود ، هو الوحيد الذي استطاع أن يعبر تلك الحفرة بجواده ، وحين رآه الجنود الأتراك فروا من أمامه هربًا خشية الموت ، حيث كان يضربهم الفارس الأسود بكل قوته من فوق جواده ، ويقتل منهم من استطاع.
وكان الشيخ راكان يصعد يوميًا إلى سطح السجن مع سجّانه ، ليشاهد المعارك بين الطرفين ، وعندما اشتدت الحرب على الأتراك أيقنوا أنهم هالكون لا محالة ، حتى أنهم قد بؤوا يتشاورون في إنهاء المعركة والاستسلام ، وأثناء ذلك طلب الشيخ راكان من الوالي العثماني أمرُ غريب ، طلب منه أن يطلق سراحه من أجل مبارزة الفارس الأسود ، فرفض الوالي طلبه ، ولكن الشيخ راكان ألحّ في طلبه ، فسأله الوالي إن كان جادًا في طلبه وهو مندهشُ لنحافة جسده ، وضآلة حجمه ، ولاحظ الشيخ راكان هذا الأمر ، فأصرّ على طلبه حتى وافق الوالي على طلبه بالمبارزة ، في مقابل أن يسمح له بانتقاء ما يعجبه من الخيل ، والسلاح والسيف ، في حال أن تفوّق على الفارس الأسود .
بالفعل انطلق الشيخ راكان تجاه مربط الخيل واختار منهم ما أعجبه ، فانتقى فرس زرقاء قوية الجسد ، وأخذ يعمل على تدريبها وتعليمها القفز الطويل والقصير ، لعدة أيام متواصلة حتى أكمل تدريبها على ما أراد ، ثم ارتدى بعد ذلك ملابس الحرب وانطلق متقدمًا الجنود الأتراك وصولاً إلى أرض المعركة .
حتى ظهر له الفارس الأسود بعد أن قفز بفرسه الحفرة الكبيرة كما اعتاد ، فبادرة الشيخ راكان من فوق فرسه أيضًا لمبارزته في ساحة المعركة ، واندهش الفارس الأسود من وجود هذا الفارس فجأة بين جنود الأتراك ، والذي تميز بالفعل عن باقي الجنود بمهارات القتال وفنونه ، ومع تقدم النزال بينهما أدرك لفارس الأسود أنه سوف يُهزم لا محالة أمام هذا الفارس الذكي الماهر .
فاستدار بفرسه ولاذ بالفرار من أمام الشيخ راكان متجهًا نحو الحفرة الكبيرة ظنًا منه أنه لن يستطيع أحدًا غيره أن يعبرها ، ولكن ولدهشته لحقه الشيخ راكان بفرسه واختطفه من طرف جواده ، ثم عاد به متجاوزًا الحفرة صوب الجنود الأتراك.
ما أن عاد الشيخ راكان إلى الجانب التركي حتى دُقت الطبول وارتفعت الأصوات مهللة بالنصر العظيم ، وهُزم جيش الأساقفة وانتصر الأتراك بعد أن دب اليأس في نفوسهم ، ثم ذهب الشيخ راكان إلى الوالي التركي وسلّمه الأسير ، والذي اعترف له بفضله بعد المولى عزوجل في انتصار جيشه ، وأخبره أن يطلب ما يريد فما جزاء الإحسان إلا الإحسان.
فطلب الشيخ راكان من الوالي التركي أن يعطيه الدهناء والصمان ، وقبيلتيّ عجمان ، فأمر الوالي يمنحه إياهم بعد أن علم بأن الدهناء والصمان هما إحدى عواصم الديار ، وتتميز الدهناء بأنها أرض رملية بها الكثير من الأشجار ، وهي مرعى لماشية البادية ، وأن الصمان أرض صخرية وهي تناسب رعاية الماشية في وقت الربيع ، ثم أمر بشراء جمل للشيخ راكان ليضع عليه ما سيحمله من الهدايا والأموال ، ويحمله حتى شبه الجزيرة العربية تجاه قبيلته عجمان.
وعقب أن تم إطلاق سراحه وانطلق مُحمّلاً بالهدايا والأموال ، ومع وصوله إلى شبه الجزيرة العربية توجه الشيخ راكان إلى أهله ، وذهب يستمع إلى أخبارهم ، ومن يواجههم وموقعهم ، فهم كانوا معتادون على الترحال من وقت لآخر إما بحثًا عن المياه ، أو من أجل رعاية ماشيتهم ، وعلم أن زوجته قد تزوجت من الدويش أمير قبيلة مطير ، حيث ظل الشيخ راكان بالسجن في اسطنبول حوالي سبعة أعوام ، وتوفى الشيخ راكان بن حثلين في عام 1892م ، وهو يبلغ من العمر ثمانين عامًا ، وبهذا يكون قد تزعّم قبيلته عجمان لفترة ناهزت الخمسة وثلاثون عامًا .