هاشم بن سعيد بن علي بن محمد بن يحيي النعمي الهاشمي أشهر مؤرخ لتاريخ الجزيرة العربية الحديث ، قامة علمية يصعب تلخيص ما قدمه ، فهو المؤرخ والأديب و الشاعر والقاضي والمحقق ، وعالم البلدان والجغرافيا والآثار والتراجم والأنساب ، وكذالك عالم الشريعة ، وبالرغم من كل ذلك هو في النهاية شخص متواضع وزاهد .
حوالي 100 عام قضاها النعمي بين القضايا والكتب والترحال بين البلدان والقرى ، يدرس الأماكن والجغرافيا والتاريخ ، ويتحلل السياسة والشؤون العسكرية ، ليس مثل باقي المؤرخين كان أكثر منهم تميزًا فقد كان يهتم بالتاريخ الاجتماعي ، وكان يستخرج منه العبر والقصص والفنون الأدبية والشعرية .
وكان يحب الشعر والأدب بالعامية والفصحى وكذالك أهتم بالأدب الشعبي ، كان واسع الإطلاع فكان يطلع على الأحداث والأخبار سواء المنقولة أو المكتوبة ، وكان يحللها ويربط بينها حتى يكون صورة واضحة عما يحدث في العالم .
الميلاد والتعليم :
ولد هاشم النعمي عام 1331هـ في العكاس ، وهي ضاحية تبعد عن مدينة أبها حوالي 8 كيلومترات ، تربى فيها وتعلم على يد الشيوخ والعلماء هناك ، وكان والده سعيد بن على النعمي قاضي ، وكان يحرص على تعليمه بنفسه ، وحين كان هاشم في السابعة من عمره التحق بالكتاب .
في الكتاب كان متميزًا وتمكن من تحصيل قدر كبير من العلم في العلوم الشرعية من أحاديث وتفسير ولغة عربية ، وهناك أيضًا تعلم قراءة القرآن و التجويد و الفقه والتوحيد ، وبعد أن تم افتتاح أول مدرسة في أبها التحق بها وأكمل تعليمه الابتدائي فيها عام 1357هـ ، ولم يكن هناك أي مدارس بعد الابتدائية هناك فقرر السفر .
سافر إلى الحرم من اجل استكمال دراسته للعلوم الشرعية ، وحفظ الأربعين النووية ، وتعلم اللغة العربية وقواعد النحو والصرف ، وفي عام 1361هـ عاد للدرسة مرة أخرى في عسير وهناك درس التوحيد والفقه والفرائض والقرآن ، كذالك درس الشروح وصحيح البخاري ومسلم وبعض كتب السنن ، ودرس تفسير ابن كثير.
العمل :
في عام 1364 هـ تم تعيينه في مدرسة أبها الابتدائية وكان يعمل في تدريس العديد من المواد ، فكان يدرس للتلاميذ الفقه و التوحيد والنحو والتجويد ، لكنه قرر أن يكمل في مشوار العلم فدرس العلوم الشرعية ليتمكن من العمل كقاضي ، وبالفعل عين كقاضي في محكمة محايل في عسير عان 1367هـ .
عمل فيها لعدة سنوات ومن ثم انتقل إلى محكمة رجال ألمع وفي عام 1382هـ تم تعيينه كرئيس لمحكمة أبها المستعجلة ، وفي عام 1412هـ تم إحالته للتقاعد ، وعلى الرغم من هذا كان دائمًا حريص على أن ينقل علمه للطلاب ، وكان يحب أن يشارك في نفسه في المبادرات خاصة المتعلقة بالإصلاح المنزلي .
لم يكتف الشيخ بالعلم والتدريس والقضاء والمبادرات بل حرص على أن يظل إمام لمسجد ضاحية العكاس مسقط رأسه ، وبعدها انتقل لإمامة المسجد الكبير في أبها ، وبعدها إلى مسجد الملك فيصل في أبها ، وكان الجميع يثني عليه وعلى علمه ، فقد عرف عنه أنه من أنزه القضاة وأعفهم و أعدلهم ، وكان محبًا لأهالي أبها كثيرًا مما جعلهم يحبوه ويخلصون له ويصدقوه .
واستمر عطاء الشيخ في العديد من النواح الأخرى فقد كان حريصًا طوال الوقت على أن يستمر في الدعوة والإرشاد ، كذالك كان شاعرًا مقل وكتب عدد من القصائد ولكن للأسف لم تحفظ ، وكان أشهر قصائده قصيدة عن أبها وعن جمالها وعزتها وكذالك شجاعة أهلها .
كذالك كان من أشهر العارفين بالأنساب من خلال إطلاعه على العديد من الكتب ، وكذالك مخالطته للكثير من القبائل ومعرفته القوية بأصول القبائل ، وهو السبب الذي دفعه لتأليف كتاب التيسير في أنساب قبائل منطقة عسير ، والذي يعد واحدًا من أشهر وأفضل المراجع للباحثين في مسألة الأنساب .
المؤلفات :
كتب النعمي العديد من المؤلفات في التأريخ خاصة حول تاريخ عسير وقراءة للماضي والحاضر ، كذالك تناولت مؤلفاته الشؤون السياسية والعسكرية ، والحياة الاجتماعية في منطقة عسير ، وتناولت كتبه الجغرافيا في المنطقة والسلالات والأنساب والقبائل والسكان ، وكانت معظم كتب النعمي قوية ويعتمد عليها في البحوث العلمية ، فكانت معظم الكتب دقيقة بشكل كبير خاصة في وصف المناطق وجغرافيتها وصف دقيق للغاية .
الوفاة :
توفي هاشم النعمي في عام 1431هـ وكان حينها تقريبًا في عمر يناهز المئة عام ، وجاءت الوفاة بعد أن أصيب بأمراض جعلته يفقد حياته ، وكانت جنازته كبيرة وتم تشييعه في منطقة عسير ، وخرج أهالي عسير جميعهم خلف جثمانه في حالة من الحزن الشديد .
وعلى الرغم من وفاته إلا أنه ترك من خلفه تراث علمي كبير وأثر قيم وسيرة جيدة ، فقد أفنى عمره في العلم والعمل والدعوة والإصلاح والتأليف الأدبي والتاريخي الشديد الثراء .