عبد الرحمن القصيبي أو شيخ اللؤلؤ كما يطلق عليه ، هو أحد أبرز الشخصيات التي عرفها تاريخ المملكة ، والذي كان له بصمة واضحة وعلامة بارزة لا زال أهل المملكة يتذكرونها حتى يومنا هذا بفخر وإعجاب .
الأسرة :
كانت أسرة القصيبي واحدة من الأسر التي تعمل بجهد متواصل من أجل مساعدة الملك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه ، وتوفير الموارد التي يطلبها من كساء وموارد غذائية ، فكانت أسرة القصيبي متخصصة في التجارة عن طريق البر والبحر ، في كلًا من نجد والبحرين والهند ، وكان لهم بالغ الأثر في تطوير المناخ الإقتصادي للمملكة ، بطريقة ملحوظة ، أيضا لهم الفضل في رجوع منطقة الإحساء .
عبد الرحمن حسن القصيبي عبدالله القصيبي ، وابن حسن عبد الله القصيبي ، وكان الجد عبد الله القصيبي يعمل كجامع للزكاة في مدينة حريملاء ، وأطلق عليه القصيبي نسبة للبلدة التي آتى منها ، رُزق عبد الله بثلاثة أبناء ، هم محمد وحسن وإبراهيم ، والذين عملوا سويا في مدينة نجد ، وكانت مهمتهم الأساسية تنظيم القوافل الصغيرة ، وكذالك متابعة عمليات جمع الإبل وتحميل البضائع عليها .
في عام 1885م انتقل الأخوة الثلاثة إلى ساحل الخليج العربي ، وعملوا حينها في رعي الإبل ونقل البضائع من ميناء العقير إلى منطقة الهفوف ، وكان الأخ الأكبر محمد هو الوحيد المتعلم بين الثلاثة ، فسافر إلى البحرين وعمل بصيد اللؤلؤ ، وكان له علاقات جيدة مع ممثلي الحكومة البريطانية في الخليج ، كما أنه تعاون مع عبد الرحمن بن عيدان أحد أبرز تجار الأحساء ، ومن هنا انشأ تجارته الخاصة .
في تلك الأثناء توفي والد عبد الرحمن القصيبي ، وكان له حينها ثلاثة أبناء عبد العزيز وعبد الله وعبد الرحمن ، فقرر إبراهيم حينها أن يتزوج أرملة أخيه ، وبعدها أرسل الثلاثة إلى البحرين من أجل مساعدة عمهم الأكبر محمد في تجارته ، حينها تقرر إرسال الإخوة الثلاثة إلى الهند من أجل تعلم اللغة الإنجليزية ، وكذالك إجراء بعض العمليات التجارية من شراء مواد غذائية ، وكذالك بيع بعض اللؤلؤ ، وبالفعل نجحت التجارة وأرسلت الأرباح لإبراهيم من أجل شراء حدائق نخيل .
تجارة اللؤلؤ :
عمل الأخوة الثلاثة في تجارة اللؤلؤ ، ولكن الشيخ عبد الرحمن القصيبي تألق في هذا الشأن ، وكان له قدرة كبيرة على التفريق بين اللؤلؤ الجيد والرديء ، وبالتالي لقب بشيخ اللؤلؤ ، وكان للشيخ عبد الرحمن عقلية اقتصادية متميزة .
وعمل بالتجارة في المملكة والبحرين ، وهو ما جعله مؤهلًا لأن يكون وكيل المملكة التجاري في البحرين حتى وفاته ، وأُعتبر من ضمن حاشية الملك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه ، ولقبه الملك بلقب وزير الدولة واستعان به في اجتماعه مع الملك فيصل ملك العراق .
مكانة القصيبي في المملكة :
أسرة القصيبي واحدة من أبرز الأسر التي قدمت الكثير للمملكة ، وبدأت العلاقة بين الملك عبد العزيز رحمه الله وأسرة القصيبي مصادفة ، في عام 1906م ، فقد كان الملك عبد العزيز رحمه الله ، متوجها للحج وحينها التقى بإبراهيم القصيبي .
وتوطدت العلاقة بينهم للتحول من الصداقة إلى التضامن السياسي ، تحديدًا بسبب موقف إبراهيم القصيبي من موقف الأتراك واعتراضه على الطريقة التي يحكمون بها منطقة الأحساء ، حيث أهملوا مزارع النخيل ولم يدافعوا عنها ضد هجمات البادية .
جديرا بالذكر أن إبراهيم القصيبي من أوائل الشخصيات التي عرفت بنية الملك في ضم الإحساء ، وبالتالي ساعد الملك في هذا الشأن ويذكر التاريخ السعودي أن تعاون القصيبي وفر الكثير على الملك عبد العزيز آل سعود .
فكان الملك يعتمد على أسرة القصيبي في الكثير من المهام أهمها المهام الدبلوماسية ، فوكل إلى الأسرة العديد من المهام في الهند و البحرين ، ويكلف الأسرة باستضافة بعض الشخصيات الأجنبية ، مثل سانت جون فيلبي والرائد فرانك هولمز ، ويقال أن شهرة منزل القصيبي جعلت مراكب الداو ترسو أمام منزله ، وقد حرصت الأسرة على توطيد علاقتها بالمعتمدين السياسيين البريطانيين وبكامل أعضاء الوفد البريطاني .
اعتمد الملك المؤسس على آل القصيبي أيضًا في العديد من العمليات التجارية ، والتي كانت توفر المؤن للمملكة ، فكان الملك يوصي أسرة القصيبي بشراء بعض السلع والمؤن من مواد غذائية مثل الأرز والسكر والشاي والتوابل والقطن والأخشاب ، كذالك كان يعتمد عليهم في شراء الرضاض و القضبان الحديدية ، ومواد الدهان والملح والصفائح المختلفة من النحاس و القصدير ، وأيضا الأجهزة الكهربائية والمحافظ الجلدية والمصابيح والمسامير وحدوات الخيل .
من المعروف عن الشيخ عبد الرحمن أنه كان دبلوماسيًا ماهرًا ، وكانت ليه قدرة على التعرف على أنواع اللؤلؤ بالفطرة ، وكان رجل مستنير وكذالك كان مثقفًا ويتحدث الإنجليزية والفرنسية بطلاقة ، وهو الأمر الذي مكنه من إدارة تجارته في باريس ، ومن الأمور الغامضة حول الشيخ عبد الرحمن أنه أوصى بإتلاف جميع الأوراق المتعلقة بعمله بعد وفاته ، وهو ما ضيع الكثير من المعلومات حول دوره المحوري في إدارة شئون المملكة .
وكان الملك عبد العزيز يقدر الشيخ عبد الرحمن كثيرًا حتى أنه وضعه ضمن أجهزة التفتيش والإصلاح عام 1346هـ ، وفي عام 1370 هـ ، تم تعيينه وزير مفوض من الدرجة الأولى بموجب مرسوم ملكي ، أما في عام 1375هـ منحه الملك لقب وزير الدولة ، وعرف عن الشيخ عبد الرحمن القصيبي أنه معتزًا بنفسه وبسعوديته وكان يعامل البريطانيين معاملة الند بالند ولم يتنازل لهم أبدًا .
عبد الرحمن القصيبي ونشر العلم :
تبرع الشيخ عبد الرحمن بتأسيس مكتبة عامة في مكة المكرمة ، وكان للشيخ الكثير من العلاقات مع كبار رجال الأدب والثقافي في الهند والشام ومصر ، وكان يحرص على التواصل بشكل مستمر مع كبار العلماء .
وتطوع الشيخ من أجل طباعة العديد من الكتب خلال الخمسينيات ، وأهم الكتب التي طبعها الشيخ القصيبي كتاب فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد ، ومنح الشفات الشافيات في شرح المفردات والروض المربع في شرح زاد المستنقع ، والعديد من الكتب الأخرى ، وقد حرص على إهداء الكتب التي طبعها إلى نادي عدن وجامعة دمشق وجمعية الشبان المسلمين في القاهرة .