كان هارالد الثالث أو هارالد هاردرادا أخر من حكم مجموعة من أشرس المقاتلين في أوروبا والذين عرفوا باسم الفايكنج أو النورسمن، انضم الملك هارالد لمحاربي الفايكنج منذ أن كان عمره 15 عام، وفي النهاية أصبح ملك النرويج وقاد حشد من النورسمن في محاولة لغزو إنجلترا في عام 1066م، وقد مات في تلك المعركة وبذلك كتب نهاية عصر الفايكنج.
ولد هارالد الثالث في عام 1015 في رينجريكه بالنرويج وتربى على يد والدته أستا جودبراندستار وزوجها الثاني وكان له ثلاثة إخوة غير أشقاء من والدته وكان من هؤلاء الإخوة الملك أولاف الثاني ملك النرويج، والذي توج في غضون أشهر من ولادة هاردرادا.
وقد اختلف المؤرخون في معنى اسم لقب هاردرادا فالبعض لقبه بالطاغية والبعض لقبه باسم حاكم صلب والبعض قال أن معناه “الذي لا يرحم”، والبعض لقبه بالقاسي.
كان هاردرادا يبلغ من العمر 15 عامًا فقط عندما انضم إلى أخيه غير الشقيق في مطاردة مميتة. فقد كان الملك أولاف الثاني قد تمت الإطاحة به بواسطة الملك كنوت العظيم الملك الذي حكم الدنمارك وانجلترا والنرويج، وتم نفيه خارج النرويج.
وحاول هاردرادا مساعدة أخيه في كفاحه الدموي لاستعادة السلطة، وقد اشترك معهم ملك السويد، لكنه فشل وسقط الملك في المنفي أخيرًا في معركة ستيكليستاد عام 1030 م.
وعلى الرغم من أن هاردرادا أظهر براعة كبيرة في المعركة إلا أنه أصيب بجروح خطيرة، وقد استطاع الهرب، لجأ هاردرادا إلى ستارايا لادوجا روسيا ، حيث رحب به الأمير ياروسلاف الحكيم بأذرع مفتوحة في عام 1031م، و كانت زوجة ياروسلاف على صلة قرابة بعيدة بهاردرادا ، وقد زوجته ابنتها لاحقًا.
وقد خدم هارالد في جيش ياروسلاف لمدة عامين بعد ذلك ثم سافر جنوبًا نحو بيزنطة، وعبر البحر الأسود ووصل إلى القسطنطينية في أغسطس 1034م، وكانت القسطنطينة في ذلك الوقت معروفة عند الاسكندنافيين باسم ميكلاجارد أو المدينة العظيمة، وقد كانت قلب العالم المسيحي لفترة طويلة.
وقد كان هادرادا يقاتل ضمن الحرس الفرنجي الخاص بحماية الإمبراطور البيزنطي، وقد عرف عنه أنه يقاتل بلا رحمة، وكان دمويًا للغاية، وقد كان يشارك في غارات على الأساطيل العربية والإسلامية في البحر الأبيض المتوسط، وكان يشن هجمات وصلت حتى لنهري دجلة والفرات، كما هاجم صقلية التي كان يحكمها مسلمون أنذاك.
وخلال الفترة التي قضاها في القرصنة على الأساطيل أثناء انضمامه لحرس الإمبراطور، استطاع أن يجمع ثروة، وحصل أيضًا على عدة ترقيات.
لكن عندما توفي الإمبراطور البيزنطي مايكل الرابع في ديسمبر 1041 م ، لم يكن هاردرادا محبوبًا في البلاط الملكي وكان عليه الهروب بعد أن تم سجنه لفترة.
ويبدو أنه كان قد أدرك ما سيحل به عند وفاة الإمبراطور، فقام بتأمين ثروته عن طريق شحنها إلى ياروسلاف الحكيم، وعاد هاردرادا إلى المملكة الروسية عام 1042 م وتزوج ابنته إليزابيث، كما أنه قام بنقل معلومات حيوية عن القسطنطية التي خدم بها لسنوات إلى ياروسلاف بمعلومات وكان يستعد معه لقيادة هجوم على القسطنطينية لكنه سمع أخبارًا مزعجة من النرويج فغادر روسيا وعاد إلى النرويج.
فقد وصلته أخبار في عام 1045م أن ماجنوس ابن أخيه غير الشقيق أولاف الثاني قد توج ملكًا على النرويج والدنمارك وقد طمع هارالد في الحكم وشعر أنه أحق من ابن أخيه، ومع ثرواته الجديدة استطاع إقامة تحالف مع سوين الثاني الذي كان يطمع في عرش الدنمارك ويرى أنه أحق به
وقررا أن يشنا هجوم على ماغنوس، لكن ماغنوس ، الذي كان في حاجة ماسة إلى المال للخزانات الملكية قدم حلاً وسطًا يرضى الجميع.
وكان الحل يقترح أن يتم تتويج كل من ماغنوس وهارالد كحاكمين مشاركين للنرويج، بينما سيرث سوين ( الذي سبق أن هزمه ماغنوس في معركة سابقة) مملكة الدنمارك بعد وفاة ماغنوس.
وبعد أقل من عامين توفي الملك ماغنوس وأصبح هاردرادا الملك الحقيقي الأوحد للنرويج.
لكن أطماع هارالد وطموحاته لم تقف عند حدود النرويج، فقد كان يطمع في أكبر من ذلك، وكان لديه اعتقاد أن له حق في عرش إنجلترا.
وقبل سنوات كان الملك الاسكندنافي الذي كان يحكم كل من إنجلترا والدنمارك ويدعى هارثاكنوت قد عين ماغنوس كولي عهد له على حكم إنجلترا.
لكن ماغنوس لم يكن مهتم بحكم انجلترا وفضل أن يركز جهوده داخل الدول الاسكندنافية، وأصبح إدوارد المعترف الأخ غير شقيق لهارثاكنوت هو ملك إنجلترا.
لكن هارالد المتعطش للحكم والدماء شعر أنه هو الأحق بحكم انجلترا وأنه هو خليفة ماغنوس وأنه يجب أن يتولى عرش إنجلترا بعد تنازل ماغنوس عنه، وكان يطمح لتأسيس إمبراطورية بحر الشمال العظيمة التي تضم النرويج والدنمارك وإنجلترا.
ولكن عندما توفي إدوارد عام 1066 م ، تولى العرش نبل إنكليزي يُدعى هارولد جودوينسون.
لكن هاردرادا الذي لم يكن ليتخلى عن طموحه وأطماعه أبدًا، قرر غزو لإنجلترا مع شقيق للملك إدوارد كان يدعى توستيج.
وبالفعل تم شحن آلاف القوات على مئات من سفن الفايكنج، وتوجهوا نحو إنجلترا، وكان الملك الدموي يعتقد أنه سيقيم إمبراطوريته الكبرى، لكنه لم يعرف أنه سينتهي بكارثة.
وقبل المعركة عرض الملك الإنجليزي هارولد أن يعيد توستيج ليبقى تحت إمرته بشرط أن يستسلم ويتخلى عن تحالفه مع هاردرادا، لكن توستيج الذي كان على يقين من أنهم سوف يربحون المعركة رفض عرض الملك.
وبدأ هاردرادا هجوم مفاجئ في 25 سبتمبر 1066 م على جيش الملك الإنجليزي وبدأ معركة تعرف باسم معركة ستامفورد بريد، لكنه مني بهزيمة منكرة ومات حوالي 12 ألف رجل في تلك المعركة التي انتهت بمقتل هاردرادا نفسه.
بينما منح الملك الإنجليزي باقي الغزاة فرصة للنجاة بحياتهم والعودة مرة أخرى للنرويج، وبذلك انتهت فترة حكم الفايكنج ولم تقم لهم قائمة مرة أخرى.