من ضمن صفحات كتاب الخالدون مائة ، تجد هذا الفيلسوف الصيني كونفوشيوس ”  孔夫子 ” هو أول فيلسوف بالصين ، ينجح في صناعة مذهبه ، والذي تضمن كل الأفكار الصينية عن السلوك الأخلاقي والسلوك الاجتماعي ، وكان الفكرة الأساسية في فلسفته هي الاعتماد على القيم الأخلاقية ، لتكون هنالك حكومة تخدم الشعب من أجل تطبيق مُثل أخلاقية عالية ، وقد ظلت تلك الأفكار تتحكم في سلوك الناس أكثر من ألف عام كاملة.

التراث الروحي في الصين :
ولكن لابد هنا من الإشارة أن أفكار كونفوشيرس ما هي إلا امتداد للتراث الروحي والفكري في الصين القديمة ، فهو امتداد للفكر السابق عليه ، فقد تميز الصينيون بأنهم شعب ذو ثقافة عامة موحدة وبأن مدنيتهم من أقدم المدن القائمة بالعالم وأغناها ، فقد تكاملت مدينة الصين بعصر مبكر ، واستمرت في تقدمها ، وتتناوب عليها فترات تختلف في مدى نجاحها منذ وقت الظهور ، وحتى عهد كونفوشيرس في القرن السادس قبل الميلاد .

وأن ما يميز العقلية الصينية هو سرعة تحول النظريات إلى أخلاق عامة ، في الشعب كله وهذا ما قام به هذا الفيلسوف ، لقد تم وضع دعائم فلسفته خلال عصر الفلسفة الذي استمر من القرن السادس  وحتى القرن الثالث قبل الميلاد ، وفقد نعمت الصين في تلك الفترة بفترة غير عادية من الازدهار بالعقل البشري .

وظهر عدد هائل من الفلاسفة وتعتبر مدرسته أقدم المدارس التي تتألف منها المدارس المائة فهو زعيم حكماء الصين القدامى .

نشأته ومولده :
ولد عام 551 قبل الميلاد ، في إمارة لو  Lu شمال الصين ، يقال أنه ولد لأب من أسرة غنية بطريقة غير شرعية وأم فقيرة ، فينحدر من أسرة نبيلة يرجع أصلها إلى الإمبراطور العظيم هوانج ، وتوفى والده وهو صغير بعمر الثلاث أعوام ، وعاش مع أمه في فقر شديد ،  ، وبدأ حياته بخدمة أحد الأمراء ، وكان يرعى الأغنام  وهو بعمر السابعة  ، تزوج في التاسعة عشر من عمره ، وتم تعينه أمين مخازن الحبوب ثم  مشرف على الحدائق العامة .

عمله وحياته المهنية وبداية التدريس :
بعد سن العشرين أنجب ابنه الوحيد ، وطلق زوجته وهو بعمر الثالثة والعشرين ، بسبب عدم تعلقه بها وبابنه ، وكان يقضي وقتًا في تثقيف نفسه رغم كثرة الأعباء الإدارية عليه ، فدرس التاريخ والشعر والموسيقى ، وقرر الاشتغال بالتعليم واتخذ من منزله مدرسه ، كان يقدم الدروس على مريديه من مختلف الأعمار ، من جميع إقليم لو ، ومن الأقاليم البعيدة عنها ، فأخذ على عاتقه تعليم التلاميذ التاريخ ، والشعر والموسيقى وآداب اللياقة والتي كان يؤمن بها .

وكان يتقاضى من التلاميذ ما يستطيعون دفعه ، ولا يقبل إلا التلاميذ الذي يجد عندهم ميل صادق إلى التعلم ، وشغف حقيقي بالمعرفة والعلم ، وأنشأ مدرسة لموعظة الناس حتى يتعلموا أصول الفلسفة الأخلاقية والسياسية ، فقد آمن بقدرته وفاعلية الفلسفة الإنسانية على إصلاح وخلق عقل يسعى إلى دراستها إخلاص وصدق .

وتخرج على يده ثلاثة آلاف تلميذ ومريد ، منهم 72 شخص كان يصفهم بأنهم مواهب عظيمة ، وعقليات كبيرة ، وبالفعل عمل هؤلاء العباقرة بمراكز قيادية بالدولة ، وكان لهؤلاء الطلاب دورًا كبير في نشر مذهبه ، حتى صار رسميًا منذ أواخر القرن الثاني عشر قبل الميلاد ، وحتى أوائل القرن العشرين ، وبجانب ذلك القيام  بالعمل على صياغة الفلسفة في الصورة التي تم نقلها للعالم خارج الصين .

حتى ذاعت شهرته ، تولى العديد من المهام وبدأ يتجول بسائر ولايات الصين ، فكان يناظر العلماء ، والتقى في أحد أسفاره بالفيلسوف الصيني  لاو -تسو وكان  بعمر السابعة والثمانين ، وعمر كونفوشيوس ، لا يتجاوز نصف عمره ، وتأثر كثيرًا بمبادئ فلسفته .

عاد مرة أخرى إلى مسقط رأسه ، ومكث فيها خمسة عشر عامًا ، أمضاها في التدريس إلى جانب وظيفته مستشار لأمراء الولايات والمدن الصينية ، وكانوا يطلبون منه النصيحة لما يقابلونه من مشكلات إدارية وعلمية ، وكانت المقاطعات في نزاعات مستمرة وحرب دائمة ، حتى عرفت بعصر الولايات المتحاربة .

فقد مر بطائفة من التجارب وتقلد عدد من المناصب كوزارة العدل ، والأشغال ، ونتج عنها شيوع العدل والشرف والأمانة ، وزيادة رقعة الأرض الزراعية وتحسين إنتاجها ، حتى تم تعينه عام 501 قبل الميلاد ، رئيس وزراء دولة وكان عمره 51 عامًا ، وقد مكنه المنصب أن يترجم مبادئه عمليًا ، ويحقق أفكاره العمرانية وحقق نجاحًا ساحقًا ، واستمرت التغيرات والنجاحات فترة طويلة ، حتى أحس الأمراء بالقلق لما رأوه من عظمة ولاية لو والإنجازات التي حققها حكمه ، من هنا أخذوا يدبرون المكائد له .

حياته الأخيرة :
أخذ كونفوشيوس يجوب الصين الإقطاعية باحثًا ، عن مكان يستطيع تطبيق فلسفته على الصعيد السياسي ، وعن حاكم عادل يريد أن يتعلم كيف يجعل من قومه صالحين وسعداء ، ورفض أن تكون فلسفته انسحابية تؤثر حياة الزهد والانسحاب من زحمة الشئون العامة ، وخاض كفاح مرير ضد الشر حتى بلغ التاسعة والستين من العمر ، وأنهكته الأسفار و ظل فيما تبقى له من أيام في نصح الأمراء والوزراء وجمع النسخ القديمة المقدسة بالصين ، واعتبارها مصادر الفلسفة الصينية .

واهتم في أواخر عمره ، بالقيام بوضع تاريخ الصينيين وسمى نفسه ، ناقل الأفكار وليس صانعها ، وأوى إلى فراشه و هو بعمر الثالثة والسبعين ومات نهاية عام 479 قبل الميلاد ، وظل تلاميذه يبكونه طوال ثلاث سنوات .

مؤلفاته  الكتب التسعة :
وتنقسم المؤلفات التي تناولت فلسفته إلى قسمين :

القسم الأول : ويسمى الكتب الخمسة الإنسانية القديمة أو الكلاسيكيات الخمس .
القسم الثاني : ويسمى الكتب الأربعة أو كتب الفلاسفة .

بالقسم الأول مجموعة من الشروح والتعليقات على الكتب الخمسة القديمة التي كتبها وتركها لتلاميذه ، و هي بمثابة ملخص للثقافة الكونفوشيوسية ، وتاريخ الفلسفة السياسية والاجتماعية ، والتربوية والدينية في العصور السابقة عليه ، وقام تلاميذه بإضافة بعد الشروح حتى اختلطت أرائهم بآراء الأستاذ .

وتتألف الكتب الخمس من :
– كتاب الأغاني ويشرح حقيقة الحياة البشرية .
– كتاب التاريخ ويشمل الوثائق التاريخية الخاصة بالإمبراطورية الصينية .
– كتاب الطقوس  وهو الجامع لسلوك الروحي والطبيعي .
– كتاب حوليات الربيع والخريف ، ويتضمن تسجيل موجز لأهم الوقائع لوطنه لو .
-كتاب التغيرات لمعرفة الحوادث المستقبلة .

أما القسم الثاني فهو عبارة عن مؤلفات لم يخطها قلم المعلم ، إنما دونها الطلاب والتلاميذ ، بوحي منه وقاموا بإضافة التعليقات التي تعبر عن الواقع ، وأشهر المؤلفات الأربعة :

– المنتخبات أو الأحاديث أو المحاورات ، ويضم عشرين فصل تتضمن مجموعة آراء المعلم ومحادثاته مع تلاميذه .

By Lars