احتل الصليبيون عكا عام 1191م بعد أن حاصروها لفترة طويلة وقد توفي صلاح الدين الأيوبي قبل أن يتمكن من تحريرها ، وأصبحت من أهم ثغور الصليبين على البحر المتوسط ، وباتت تمثل خطر كبير على بلاد المسلمين ، وظلت كذلك نحو مائة عام ، حتى قرر السلطان المملوكي المنصور سيف الدين قلاوون تحرريها ، وفي عام 1289م استطاع قلاوون تحرير طرابلس تمامًا من أيدي الصليبين ، ولكنه للأسف توفي قبل أن يزحف نحو عكا ففرح الصليبين كثيرًا بهذا الخبر وظنوا أنهم أصبحوا في مأمن من المسلمين .

السلطان الأشرف خليل :
ولكن السلطان الذي خلف قلاوون وهو السلطان الأشرف خليل عزم على استكمال من سبقوه وتحرير أراضي المسلمين من الصليبين ، فأرسل رسالة إلى قائد فرسان المعبد في عكا يخبره أن يخرج من عكا لأنه ينوي استعادتها وأنه لن يثنيه أي شيء عن ذلك ، فقام حاكم عكا الصليبي بإرسال رسله ومعهم هدايا إلى القاهرة ولكن الأشرف خليل رفض استقبالهم وأمر بحبسهم .

أرسل حاكم عكا الصليبي إلى كل ملوك أوروبا ليطلب مساعدتهم ، ولكن أوروبا التي كانت غارقة في الحروب الأهلية لم ترسل له أي مدد باستثناء ملك قبرص الملك هنري الثاني ، الذي أرسل قوة عسكرية إلى عكا بقيادة أخيه أمالريك ، وقام بتحصين أسوار المدينة التي كانت تتكون من سورين مزدوجين سميكين واثنا عشر برجًا .

التحرك لفتح عكا :
تحرك السلطان أشرف بقواته من القاهرة ووصل إلى أسوار عكا في شهر أبريل عام 1291 ميلادية ، وكان معه ما يقرب من مائة منجنيق وعربات ، وكان معه جنود من مصر ودمشق والكرك وحماة وطرابلس ، وبمجرد وصول الجيش إلى أسوار عكا بدأ في دكها بالمناجيق والسهام ، وبعد ثمانية أيام كانت هناك من أجزاء من السور قد تضررت ، فتقدم المسلمين وحاولوا إحداث فتحات في السور ، كما استخدموا آلة لرمي كرات النار نحو الصليبين مما سبب ضرر بالغ بين صفوفهم .

وكان ملك قبرص قد واصل إرسال إمداداته إلى عكا عن طريق البحر ، وحاول الصليبيون شن بعض الهجمات على معسكر المسلمين إلا أنهم فشلوا وتم أسر معظم من قاموا بتلك الهجمات ، وبعد شهر تقريبًا من الحصار وصل حاكم قبرص بنفسه إلى عكا ومعه مجموعة من السفن المحملة بالرجال والعتاد ، ولكنه أدرك أنه لن يستطيع هزيمة جيش المسلمين ، فقرر أن يرسل للسلطان الأشرف طلب هدنة ، وعندما وصل رسله إلى السلطان سألهم إذا كانوا احضروا معهم مفاتيح عكا ، فقالوا له أنهم لم يأتيا طلبًا للاستسلام ، ولكنهم يريدون فقط الهدنة حرصًا على حياة سكان عكا .

وبينما كان الرسل الصليبين يتحدثون مع السلطان ، سقط إحدى عربات الصليبين من فوق أحد الأسوار بالقرب من خيمة السلطان ، فظن أنهم يتآمرون لقتله ، فأمر بقتل الرسل ، ولكن الأمير سنجر الشجاعي أخبره بما حدث فأطلق السلطان سراحهما وأمرهما بالعودة .

دخول أسوار عكا :
في فجر يوم الجمعة 18 مايو بدأ المسلمون بالزحف نحو عكا بعد أن انهارت أبراج سور عكا ، وقد شعر الصليبين بالرعب من صوت دقات طبول المسلمين ، واستطاع المسلمين تدمير أخر أبراج السور واقتحموا المدينة ودخلوا في قتال مع جنود الصليبين وخلال تلك المعركة قتل قائد فرسان المعبد وليم أوف بوجيه وقتل أيضًا ماثيو أوف كليرمونت .

وبدأت رايات المسلمين ترفرف فوق أسوار عكا ، فأيقن ملك قبرص أن المسلمين انتصروا وأنه لن يستطيع مواجهتهم ، فهرب إلى قبرص ومعه قائد صليبي أخر ، كما هرب مجموعة من الصليبين الأثرياء من المدينة عن طريق البحر بعد أن دفعوا أموالًا طائلة لأحد فرسان المعبد يسمى روجر دو فلور لينقلهم  بسفنه .

وهكذا عادت عكا أخيرًا لأيدي المسلمين بعد أن احتلها الصليبين لمدة مائة عام ، ود دخل جيش المسلمين دمشق ومعه أسرى الصليبين مقيدين بالسلاسل ، فاحتفل الناس كما وصلت الأنباء للقاهرة فأقيمت الاحتفالات في شوارع المدينة .

By Lars