كان فتح حلوان خاتمة فتوح العراق ، لكن الوضع العسكري تطلّب القيام بعمليات تطهير شاملة لبقايا الوجود الفارسي ، وإخضاع القرى وبخاصة في السواد الشرقي لدجلة .
عمليات تطهير العراق من بقايا الوجود الفارسي :
فنفذّ هاشم هذه العمليات بنجاح فصالحه دهقان مهروز على جريب من دارهم على ألا يقتل أحدًا منهم ، لكن دهقان دسكرة اتهم بغش المسلمين فقتله هاشم ، ودسكرة هي قرية كبيرة بنواحي نهر الملك من غربي بغداد ، ثم توجه نحو بندنيجين ، فصالحه سكانها على أداء الجزية مقابل الأمان ، وبندنيجين هي بلدة مشهورة في طرف النهروان من ناحية الجبل من أعمال بغداد ، ولم يبق من سواد دجلة ناحية إلا غلب عليها المسلمون .
الأثر الإيجابي للانتصارات الإسلامية على وضع السكان :
وأقبل أمراء الثغور عليهم لطلب الأمان مقابل دفع الجزية ، وكان لهذه الانتصارات الإسلامية أثرها الإيجابي على الوضع العام للسكان ، فأقبل مزيد من الفرس على اعتناق الإسلام دين الفاتحين الجدد ، وأرسل سعد هاشمًا بن عتبه ، ومعه الأشعث بن قيس إلى الشمال .
فمرّ بالراذانات وأتى دقوقاء ، وخانجيار فغلب عليها .. و الراذانات راذان أسفل وراذان أعلى ، كورتان بسواد بغداد تشتمل على قوى كثيرة ، والدوقاء هي مدينة بين إربل وبغداد .. وفتح كورباجرمى ثم نفذ إلى سن بارما ، والبوازيج حتى حدود شهرزور .. وسن بارما هو جبل بين تكريت والموصل ، يشقه دجله عند السن ، والسن في شرقي دجلة ، والبوازيج بلد قرب تكريت على فم الزاب الأسفل حيث يصب في دجلة وهي الآن من أعمال الموصل ، وشهرزور هي كورة واسعة في الجبال بين إربل وهمذان.
سلسلة جبال فارس الحد الفاصل بين المسلمين والفرس :
وهكذا سيطر المسلمون على جنوبي العراق ووسطه ، وتطلعوا لاستئناف التوسع باتجاه الشرق والشمال ، وبخاصة أن القوة الميدانية للفرس قد انهارت وأضحت كافة الطرق مفتوحة أمامهم للتوغل ، داخل الأراضي الفارسية بأمان ، وهذه فرصة لا يجب أن يفوتوها ، وطلب سعد موافقة المدينة ، ولكن عمر رفض التقدم شرقًا والتوغل في أرض مجهولة والانسياح وراء الفرس خشية على جند المسلمين ، وجعل سلسلة جبال فارس الحدود التي تفصل بين المسلمين والفرس .
حرص عمر بن الخطاب على سلامة المسلمين :
والواقع أن موقف عمر بن الخطاب يدل على بُعد نظر وتفكير سليم ، إنه حرص على سلامة المسلمين وفضّلها على الأنفال ، وبخاصة أنهم لم يكونوا قد أمنوا العراق واطمأنوا إلى حياة الاستقرار فيه .
فقد كان شماله لا يزال على الحرب ، والوضع في الجنوب لا يزال غير مستقر ، فليس من سداد الرأي في هذه الظروف ، أن يندفع المسلمون إلى جبال إيران ويتوغلوا شرقًا ووراءهم جبهة غير صلبة ، ومن الخير أن يتخذوا جبال إيران حدًا فاصلاً بينهم وبين الفرس ، وأن يفرغوا من القضاء على حركات التمرد بالعراق ، يضاف إلى ذلك ، فقد تطلع عمر إلى ضم الجنس العربي وصهره في بوتقة الإسلام ، وفي وحدة يكون السلطان فيها للمدينة ، ويكون بين المسلمين وبين الفرس والروم من حسن الجوار ، ما يذهب عن العرب والمسلمين الروع .