أمضى المسلمين فصل الشتاء في دمشق ، وكانت الخطوة التالية فتح حمص ، فقد كان هرقل مقيمًا فيها أثناء حصار دمشق ، فلما رأى أن قواته لا تستطيع الوصول إلى عاصمة الشام للدفاع عنها جلا عن حمص إلى أنطاكية .
طريقان للربط بين حمص ودمشق :
ويربط دمشق وحمص طريقان ، أحدهما شرقي خارجي متاخم لصحراء السماوة ، ويمر بدومة وقطيف والنبك وقارا وشمسين وصولاً إلى حمص ، والآخر غربي ويمر في وادي البقاع ، إلى بعلبك وجوسية وحمص ، ويشكل أحد فروع طرق التجارة يعني أنه كان الأكثر استعمالا، ويبدو أنه كان الأكثر إيناسًا .
خطة خالد بن الوليد :
واختار خالد بن الوليد ، بعد مشاورات مع أبي عبيدة ، أن يسلك المسلمون الطريق الثاني ، بهدف السيطرة عليه نظرًا لأهميته العسكرية ، والمعروف أن المسلمين كانوا يتحركون سابقًا على الطريق الأول مع توفر الطريق الثاني .
استخلف أبوعبيدة قبل أن ينطلق إلى حمص ، يزيد بن أبي سفيان على دمشق ، وعمرو بن العاص على فلسطين وشرحبيلاً بن حسنة على الأردن ، وسار إلى سهل البقاع يتقدمه خالد ، ولما اقترب من بعلبك تصدت له قوة عسكرية ، لعلها كانت طليعة لجيش أكبر ، فتغلب خالد بن الوليد عليها وأجبر أفرادها على الارتداد والاحتماء داخل الحصن .
فتح بعلبك :
وضرب المسلمون الحصار على بعلبك ، ولما رأى سكانها ألا أمل لهم في الانتصار استسلموا ، وكان ذلك في (25ربيع الأول عام 15هـ ) الموافق ( 6 مايو عام 636م) ، فأعطاهم أبو عبيدة الأمان على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم ، وكتب لهم كتابًا بذلك ، ومنحهم مدة شهرين فمن أراد المغادرة سار إلى حيث شاء ، ومن أقام فعليه الجزية .
نص كتاب الأمان :
وهذا نص الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم . هذا كتاب أمان لفلان بن فلان وأهل بعلبك رومها وفرسها وعربها ، على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم ودورهم داخل المدينة وخارجها ، وعلى أرحائهم ، وللروم أن يرعوا سرحهم بينهم وبين خمسة عشر ميلا ، ولا ينزلوا قرية عامرة ، فإذا مضى شهر ربيع وجمادى الأولى ساروا حيث شاءوا ، ومن أسلم منهم فله ما لنا وعليه ما علينا ، ولتجارهم أن يسافروا إلى حيث أرادوا من البلاد التي صالحنا عليها ، وعلى من أقام منهم الجزية والخراج ، شهد الله وكفى بالله شهيدًا .
تنوع سكان أهل بعلبك :
الملفت في كتاب الصلح مع أهل بعلبك ، تنوع سكانها النصارى دون تحديد معتقداتهم المذهبية ، ونسبة توزعهم عليها ، ولمضمون العهد دلالة جديرة بالانتباه ، إذ يوضح أن العرب يشكلون العنصر السامي الغالب ، فيدعو للمحافظة عليهم ، ولا يأمر بإجلاء أحد منهم ، أما البيزنطيون فإنه أمر بإجلائهم في ظل شروط ميسرة ، وتزداد دلالة هذا العهد أهمية من حيث صيرورته نموذجًا أمام أنظار أهل حمص ، المدينة المجاورة لبعلبك .
العناصر المختلفة لأهل بعلبك :
وهذه العناصر هي : الروم وهم رعاة الإمبراطورية البيزنطية الحاكمة ، والفرس وهم بقايا الذين أخضعوا بلاد الشام لحكمهم أثناء صراعهم مع البيزنطيين ، وقد استقر الكثير منهم ، وانتشروا في عدة أماكن من بلاد العرب والشام ، ثم انتقلوا إلى السواحل فيما بعد .
والعرب وكانوا يستوطنون بعلبك قبل الفتح الإسلامي ، مما يدل على قدم الوجود العربي في هذه المنطقة من بلاد الشام ، والنصارى وهم السكان الوطنيون من أهل بعلبك ومنهم النبط .