كانت جزيرة رودس اليونانية التي تقع في البحر الأبيض المتوسط هي المكان الذي تحصّن به فرسان القديس يوحنا بعد أن طُردوا من بلاد الشام بعد قيام الحملات الصليبية ، وكان هؤلاء الفرسان يخضعون لسلطة البابا في روما ، ولقد اشتهروا بكراهيتهم للإسلام وعصبيتهم الشديدة ، حيث أنهم كانوا دائمًا أثناء تواجدهم بالجزيرة يقومون بعمل الغارات على سفن المسلمين المتجهة إلى الحجاز .
كان هؤلاء الفرسان يقتلون المسلمين وينهبون أموالهم ويهتكون أعراضهم ، كما كانوا يقومون بقطع طرق الحجاج المسلمين من الأتراك أثناء توجههم إلى الحجاز ، فكانوا يقتلون الحجيج ويقومون بحرق السفن الإسلامية ، وكانوا يفعلون كل ذلك لأنهم اطمئنوا بحصونهم المنيعة داخل الجزيرة .
وذات مرة وصلت الأنباء إلى السلطان سليمان القانوني بما فعله هؤلاء الفرسان من قتل ونهب لإحدى سفن المسلمين التي كانت تقوم بنقل الحجاج والتجار ، كما علم بأنهم قاموا بأعمال عدوانية عديدة ضد خطوط المواصلات البحرية العثمانية ، فغضب السلطان سليمان بشدة وأقسم بأنه لن يهنأ له بال حتى يقوم بفتح جزيرة رودس وطرد هؤلاء الكفار منها .
فتح جزيرة رودس :
قام السلطان سليمان بإرسال حملة عسكرية مؤلفة من 200 ألف جندي تحت قيادة مصطفى باشا ، وقد تزودّ الجنود بالمدافع و700 سفينة بحرية ، وحينما تم البدء في عملية الهجوم على الجزيرة ؛ لم يتم إصابتها لصلابة مناعتها ، وعندما علم السلطان سليمان بما حدث استشاط غضبًا ، ثم قرر السفر بنفسه إلى الجزيرة برفقة مجموعة من كتائب المجاهدين .
تولى السلطان سليمان قيادة المعركة بنفسه وكان مركزه الرئيسي أمام أسوار الجزيرة ، تمكن السلطان سليمان من تضييق الخناق على الجزيرة حيث قام بمحاصرتها لمدة ستة أشهر متواصلة ، كما أن إطلاق النيران لم ينقطع على الجزيرة طيلة كل هذه المدة ، حتى بلغ عدد المدافع التي تم إطلاقها نحو 220 ألف مدفع .
وقد ورد بالكثير من المصادر التاريخية أن الحالة الجوية لم تكن مستقرة خلال تلك الفترة بل إنها كانت سيئة للغاية ، حيث أن الأمطار كانت تهطل بغزارة وكان هناك رعد وبرق شديدين ، وعلى الرغم من ذلك لم يتسرب اليأس إلى نفوس المسلمين ، ولكنهم أصرّوا على فتح الجزيرة وقد أدت عزيمتهم إلى استسلام فرسان القديس يوحنا .
قام السلطان سليمان بمنح الفرسان المستسلمين مهلة لمدة 12 يومًا كي يخرجوا من رودس ، كما منحهم الأمان على دينهم وكنائسهم ، وقد فتح السلطان سليمان تلك الجزيرة يوم 13 صفر من عام 929 هجريًا ، مما تسبب في زعزعة عرش النصارى في روما وفي العالم أجمع .
ما بعد الفتح :
أصدر السلطان أوامره لجيشه بأن يقوموا ببناء حصن عظيم داخل جزيرة رودس ، وقد قام بإرسال جماعات من رجال مسلمين هناك ليتولوا مهمة الدفاع عن الجزيرة ، حيث أن السلطان سليمان كان عازمًا على جعل هذه الجزيرة عقبة في وجه الروم لينازعهم سلطتهم التي كانوا يفرضونها على البحر المتوسط ، وقام أيضًا بإرسال العديد من العلماء والفقهاء إلى الجزيرة من أجل تعليم أهلها الدين الإسلامي .
كان فتح جزيرة رودس بمثابة معركة لتجربة جديدة في عالم الحروب والتي حققت نجاحًا عظيمًا ، على الرغم من أن الجيوش الإسلامية لم يكن لديهم الخبرة الكافية لخوض هذا النوع من الحروب ، وبعد فتح جزيرة رودس ازدادت قوة الدولة الإسلامية في المنطقة ، وتمكنت القوات الإسلامية من الوصول إلى العديد من الجزر الأخرى من أجل فتحها .