كانت مدينة حمص النصف الأول من القرن السابع الميلادي ، أي قبل فتح المسلمين لها مركزًا إداريًا هامًا ، كما كانت قاعدة هرقل يرسل منها الجيوش لمحاربة المسلمين في الجنوب ، ويدير منها العمليات العسكرية .

اشتباك خالد بن الوليد مع القوة العسكرية :
سار أبو عبيدة بعد فتح بعلبك إلى حمص ، ولما وصل إلى ضواحيها تصدت له قوة عسكرية في جوسية ، على بعد ستى فراسخ منها بين جبل لبنان ، وجبل سنير فوجه عليها خالدًا ، فاشتبك مع أفرادها وهزمهم ، فولوا الأدبار ودخلوا المدينة .

وعودهرقل وانقسام الرأي :
وكما امتنعت دمشق على المسلمين فاضطروا لحصارها ، كذلك كان حالهم مع حمص التي أغلقت أبوابها في وجههم ، كانت القوة المدافعة عن المدينة تأمل في تلق دعم سريع من جيوش الإمبراطورية ، والواقع أن هرقل أرسل إلى أفراد الحامية يعدهم بالمساعدة ويشجعهم على المقاومة .

لكن هذه الوعود لم تتحقق ، حيث كان من الصعب على الإمبراطور البيزنطي أن يجمع جيشًا على وجه السرعة ، ويقذف به في المعركة نجدة لحمص ، عند ذلك أمل هؤلاء أن يجبر البرد وقساوة الطقس المسلمين على التراجع ، ويبدو أنهم انقسموا إلى فئتين : مالت الأولى إلى التفاهم مع المسلمين بفعل قوتهم التي لا تقهر وعجز البيزنطيين عن إمدادهم بالمساعدة ، وأصرت الثانية على الاستمرار في المقاومة والصمود .

فتح حمص :
وطال أمد الحصار على أهل حمص . وساءت حالتهم وخشوا على أنفسهم من السبي إن فتحت مدينتهم عنوة ، ووقع في هذه الأثناء زلزال في المدينة أدى إلى تدمير بعض البيوت والمنشآت ، وألحق أضرارًا أخرى بالسكان في الوقت الذي تجاوز فيه المسلمون الأوضاع المناخية ، الأمر الذي أدى إلى التوافق بين الحامية البيزنطية ، والسكان إلى طلب الصلح فنالوه حسب الشروط التي باتت معروفة ، والتي تتضمت دفع الجزية والحفاظ على حياة الناس وأملاكهم ودورهم وأماكن عبادتهم ، وساير المسلمون مشاعر الحمصيين إلى حد بعيد ، فلم يدخلوا المدينة بل نصبوا خيامهم بالقرب منها على ضفاف نهر العاصي .

أهم الفتوح الإسلامية :
يعد فتح حمص من بين أهم الفتوح التي حققها المسلمون في بلاد الشام ، وكتب أبو عبيدة إلى عمر في المدينة بهذا المعنى : (أما بعد .. فالحمد لله الذي أفاء علينا وعليك يا أمير المؤمنين ، أفضل كورة في الشام أهلًا وقلاعًا وأكثرهم عددًا وجمعًا وخراجًا ، وأكبثهم للمشركين كبثًا وأيسرهم على المسلمين فتحًا) .

ولعل هذا الوصف من أبي عبيدة يعطينا صورة واضحة للمدينة من الناحية السكانية والعسكرية والاقتصادية ، ويتابع أبو عبيدة كلامه قائلًا: ( … أخبرك يا أمير المؤمنين إنا قدمنا بلاد حمص وبها من المشركين عدد كبير) ، ثم يصف كيف طلبوا الصلح من المسلمين ( وأذعنوا بأداء الجزية) ..  ويتابع ( فقبلنا منهم وكففنا عنهم ، وفتحوا لنا الحصون واكتتبوا منا الأمان)..  كما أخبره بأن الجيش الإسلامي ، سيتوجه نحو الشمال لمطاردة هرقل .

استكمال فتح منطقة شمال بلاد الشام :
والواقع أن أبا عبيدة خطط لاستئناف التوسع نحو الشمال ، حيث بات الطريق مفتوحًا أمامه ، وتشاور مع خالد بن الوليد  في ذلك فأستقر الرأي على فتح منطقة شمالي بلاد الشام ، بما فيها أنطاكية وحلب ومطاردة الإمبراطور البيزنطي .

فأرسل ميسرة بن مسروق العبسي إلى حلب، في حين خرج هو من حمص لاستكمال فتح قطاعها ، وأصطحب معه خالدًا واستخلف عبادة بن الصامت على المدينة ، فوصل إلى حماة فصالحه أهلها على الجزية في رؤوسهم ، والخراج على أرضهم ومضى نحو شيزر فخرج أهلها وصالحوه على ما صالح به أهل حماة ، وتابع تقدمه حتى بلغ معرة النعمان ففتحها ، ثم أتي أفامية فأذعن له أهلها بالجزية والخراج .

استقرار المسلمين بأمر أمير المؤمنين :
وبهذه الفتوح أتم المسلمون فتح بلاد الشام والوسطى ،  كان من رأي عمر بن الخطاب أن يستقر المسلمون في حمص حتى نهاية الحول ، قبل أن ينطلقوا نحو الشمال ، لذلك استدعى أبو عبيدة ميسرة ووزع قواته على مختلف نواحي بلاد الشام ، لضبط أمورها بعد أن استتب الوضع الميداني للمسلمين ، وليعطوا سكان البلاد طابع الدولة الجديدة ، واستقر هو في حمص وأرسل خالدًا إلى دمشق ليقيم بها ، وكلف عمرو بن العاص أن يقيم في فلسطين .

توقف حركة الفتوح بأمر أمير المؤمنين :
وهكذا أمر عمر أن تتوقف حركة الفتوح في بلاد الشام ذلك العام ، ولعل لذلك علاقة بالمدى الذي وصلت إليه الأوضاع العسكرية على الجبهة الفارسية ، حيث كان سعد بن أبي وقاص يستعد للاصطدام بالفرس في القادسية ، فرأي عمر بن الخطاب  أن يركز جهوده على هذه الجبهة ثم يرى رأيه بعد ذلك .

By Lars