استأنف المسلمون حصار دمشق ، بعد عودتهم من الأردن ويذكر البلاذري أنه لما فرغ المسلمون من قتال من اجتمع منهم بالمرج ، أقاموا خمس عشرة ليلة ثم رجعوا إلى مدينة دمشق لأربع عشرة ليلة ، بقيت من المحرم سنة 14هـ  ، فأخذوا الغوطة وكنائسها عنوة ،وتحصن أهل المدينة وأغلقوا بابها .

توزيع مهام الحصار :
وقد أملوا بوصول نجدة من الشمال على وجه السرعة ، تفك الحصار عن المدينة ، وتوزعت مهام الحصار كما يلي : عسكر أبو عبيدة على باب الجابية غربي المدينة ، نزل خالد بن الوليد أمام الباب الشرقي تجاه دير صليبا ، كما أقام يزيد بن ابي سفيان على الباب الصغير إلى باب كيسان جنوبي المدينة ،  نزل عمرو بن العاص على باب توما شمالًا بشرق ،  عسكر شرحبيل بن حسنة على باب الفراديس .

الحصار وقطع الإمدادات :
وعمد أبو عبيدة إلى عزل المدينة عمن حولها ، وقطع اتصالاتها مع العالم الخارجي ، حتى يجبر حاميتها وسكانها على الاستسلام ، فأرسل ثلاث فرق عسكرية تمركزت : على سفح جبل قاسيون ، على مسافة خمسة كيلومترات إلى الشمال من المدينة عند قرية برزة ،  على طريق حمص ، للحؤول دون وصول الإمدادات من الشمال ، وقطع الاتصالات بينها وبين القيادة البيزنطية ، على الطريق بين دمشق وفلسطين ، لقطع طريق الجنوب .

استسلام أهل دمشق :
وطال أمد الحصار على الدمشقيين الذي دام سبعين يومًا ، وازداد التوتر بينهم ، وبخاصة بعد أن انسحبت الحامية البيزنطية من مواقعها تاركة للدمشقيين تدبر أمرهم بأنفسهم ، ولما يئسوا من حصول نجدة تنقذهم وتجلي المسلمين عن مدينتهم وهنت عزيمتهم ومالوا إلى الاستسلام .

تباين روايات فتح دمشق :
تتباين روايات المصادر في وصف أيام دمشق الأخيرة قبل دخول المسلمين إليها ، وفي تحديد كيفية هذا الدخول ، فقد ذكر البلاذري أن أبا عبيدة دخل المدينة عنوة من باب الجابية ، ولما رأى الأسقف منصور بن سرجون أنه قارب الدخول ، بادر إلى خالد فصالحه وفتح له الباب الشرقي ، فدخل الأسقف معه ناشرًا كتاب الصلح ، والتقى خالد مع أبي عبيدة بالمقسلاط وهو موضع النحاسين بدمشق .

فتحدث بعض المسلمين في ذلك وقالوا : والله ما خالد بأمير فكيف يجوز صلحه ، فقال أبو عبيدة : إنه يجيز على المسلمين أدناهم وأجاز صلحه وأمضاه ، لم يلتفت إلى ما فتح عنوة فصارت دمشق صلحًا كلها، وكتب بذلك إلى عمر وأنفذه .

رواية أخرى لفتح دمشق :
وروى الطبري أن خالدًا اقتحم المدينة فاستيقظ السكان مذعورين على جند المسلمين ، يلجونها ويمعنون في جندها تقتيلًا ، ففتحوا أبواب مدينتهم للفرق الإسلامية الأخرى ، والتجئوا إلى أبي عبيدة يعرضون عليه الصلح ، فقبل عرضهم ودخل كل قائد من الباب الذي هو عليه صلحًا ، باستثناء خالد فقد دخل عنوة ، واجتمعت الفرق الإسلامية الخمس في وسط المدينة ، وكان صلح دمشق على المقاسمة على الدينار والعقار ، وعلى جزية دينار عن كل رأس ، لأن جانبًا من المدينة فتح عنوة .

فكان كله حقًا للمسلمين ، في حين فتح جانب منها صلحًا فوجبت عليه الجزية دون سواها ، لذلك أخذ المسلمون نصف ما في المدينة من كنائس ومنازل وأموال بحكم الفتح عنوة ، وفرضوا الجزية بحكم الفتح صلحًا .

وأخذ المسلمون سبع كنائس من أصل أربع عشرة  قائمة بدمشق ، كما اقتسموا الكنيسة الكبرى ، كنيسة القديس يوحنا المعمدان مع الدمشقيين فتركوا نصفها للنصارى يقيمون فيه صلواتهم ، وجعلوا النصف الآخر مسجدًا للمسلمين .

By Lars