اندلاع الحروب عبر التاريخ لم يكن سوى نتيجة بعض الأمور والمبررات العقلانية أو المنطقية ، مثل الأطماع الاقتصادية أو لاختلافات ثقافية وعرقية ، أو حتى اختلافات وخلافات دينية وأيديولوجية ، أدت في النهاية إلى اندلاع الحرب وتساقط ضحايا من الجانبين .
ولكن أن تندلع حربًا ويسميها البعض بالتافهة أو غير الجدية ، فهي شيء ملفت للنظر حقًا ، حيث اندلعت العديد من الحروب التي أطلق عليها المؤرخون ، أنها حروبًا تافهة ، راح ضحيتها المئات بدون أسباب تستحق ، في حين لم يرها آخرون كذلك ، وكانت من وجهة نظرهم غير تافهة على الإطلاق .
إمبراطورية آشانتي .. نموت نموت ولا تجلس على المقعد :
تقع إمبراطورية آشانتي في غانا الأفريقية ، وكانت تحت سيطرة الاحتلال البريطاني قبل أكثر من قرن من الآن ، وكانت من بين طقوس تلك الإمبراطورية ، هي وضع كمقعدًا ذهبيًا ليضع عليه الحاكم قدميه ، أثناء جلوسه على العرش ، وكان هذا المقعد مصنوعًا من الذهب الخاص ، ولا يسمح لأي شخص أن يجلس عليه ، أو يضع قدميه بداخله سوى الحاكم من بني جنسهم فقط ، فقد كان للمقعد قدسية وأهمية خاصة لديهم للغاية ، وعند نقله كان يرفع على الأكتاف طوال الطريق .
ولكن هل التزمت بريطانيا بتلك المقدسات ؟ في عام 1896م قامت بريطانيا بنفي ، ملك آشانتي ومساعديه إلى جزيرة سيشيل ، فبقيت الإمبراطورية بلا قائد خلال تلك الفترة ، فقام ملك بريطانيا بعرض ملء هذا الفراغ في السلطة ، بأحد ممثلي المملكة البريطانية ، فتم تنصيب السير فريدريك هودجسون على رأس السلطة في آشانتي .
وكان الأخير ينتظر ترحيب أهل آشانتي به ، عند وصوله إلى الإمبراطورية ، إلا أن هذا الأمر لم يحدث ، بل تفاقم الأمر ونشبت حربًا ، على إثر طلب السير فريدريك أن يضع قدميه بالمقعد الذهبي .
لم يتقبل شعب آشانتي ما طلبه السير فريدريك ، واعترضوا عليه أيضًا مما دفعه إلى إرسال عددًا من جنوده ، للبحث عن المقعد الذهبي ، فما كان من السكان المحليون سوى أن أحاطوا بفريدريك وجنوده ، بمساعدة والدة لملك المنفي من آشانتي ، وحاصروهم لبضعة أشهر ، إلى أن وصلت إليهم التعزيزات البريطانية من ذخيرة وطعام وذلك بقيادة جيمس ويلكوكس .
الذي ما أن وطأت أقدامه آشانتي ، حتى دمر المدينة كاملة ، وذبح السكان المحليون ، في حرب قوية راح ضحيتها 1007 من الجنود البريطانيين ، و2000 قتيلاً من الآشانتيين ، ورأى الآشانتيون أنهم قد انتصروا في هذه المعركة ، لأنهم دافعوا عن مقدساتهم ولم يتركوا البريطانيين ، يضعون أقدامهم في المقعد المقدس لديهم .
النمسا 1788م .. أن تطلق الرصاص على قدميك أنت ورفاقك :
معركة كارانزيبيس عام 1788م ، هي أغرب الحروب على مدار التاريخ ، حارب خلالها النمساويون أنفسهم ، وهزموها ! في الفترة بين الأعوام 1787م- 1791م ، اندلعت حربًا بين كل من النمسا وتركيا وروسيا وتركيا ، ووقفت النمسا خلالها حليفة لروسيا .
وبدأت معركة كارانزيبيس عام 1788م ، حيث قام أكثر من 100 ألف جندي روسي ، بتجهيز معسكرًا في ضواحي بلدة كارانزيبيس ، وتم تقسيم الجنود في تلك الليلة بحثًا عن لعناصر ، من الجانب التركي مما دفع سلاح الفرسان للعبور أولاً نحو نهر تيميس ولكنهم عادوا دون أن يجدوا لهم أثرًا ، وأثناء عودتهم قابلوا مجموعة من الغجر يحملون بعض الخمور ، فابتاعوا منهم مجموعة وبدؤوا في تناولها والاستمتاع بليلتهم .
لم يمر الكثير من الوقت حتى لحق بهم فريقًا من الجنود النمساويين ، فطلبوا منهم بعض الخمور ، إلا أن الجنود رفضوا ذلك ، وأحاطوا بالخمور بعد أن أذهبت بعقولهم ، وتفاقم الأمر فجأة ، حيث بدأ الأمر برصاصة قاتلة أطلقها أحد الجنود النمساويين ، في الهواء ولم يدر زملائهم حقيقة الأمر .
فظنوا أن الجنود الأتراك قد هاجموهم ، فهربوا من هذا المكان معتقدين أن الأتراك يهاجمونهم ، وللأسف كان الجيش النمساوي مؤلفًا من جنسيات مختلفة ، فلم يدر أحدهم من معهم ومن ضدهم ، وفشل الضباط في إعادتهم إلى صفوفهم مرة أخرى دون تخبط .
استمرت المعركة الوهمية لبضعة أيام ، أطلق خلالها جنود النمسا القذائف على بعضهم البعض ، وهم يظنون أنهم يحتمون من جنود الأتراك ، وهم في الواقع يطلقون الرصاص على زملائهم ، واستمرت المعركة إلى أن انسحب الجيش النمساوي كاملاً ، من أمام العدو الوهمي ، مخلفين وراءهم أكثر من عشرة آلاف جنديًا نمساويًا قتيلاً ، ليحتل الجنود الأتراك البلدة دون الاضطرار للدخول في حرب مع النمساويين .