تعد حادثة المروحة من أشهر الحوادث في التاريخ ، وتتلخص إبان فترة تولي الوالي العثماني على الجزائر والذي كان يُدعى حسين داي ، حيث قام هذا الأخير بصفع القنصل الفرنسي على وجهة بمروحته الخاصة في لحظات حوار حاد بينهما بقصر حسين داي.

ولم يتوقف الحدث عند ذلك فقط ، فبمجرد ورود الأنباء بشأن ما بدر من الوالي حسين تجاه القنصل الفرنسي ، أرسل ملك فرنسا شارل العاشر آنذاك ، كتابًا شديد اللهجة يتوعده به إذا لم يقم بتقديم الاعتذار للقنصل الفرنسي بشأن ما حدث .

وهو الأمر الذي رفضه الوالي العثماني بشدة ، فقام الملك شارل بإرسال أربعون ألف جنديًا فرنسيًا إلى الجزائر لمحاصرتها إبان الفترة بين عامي 1827م و 1829م ، إلى أن تم احتلالها عام 1830م انتقامًا لشرف فرنسا كما ادعى الفرنسيون في هذا الوقت ، ولكن حقيقة القصة تكمن خلفها أسبابًا أخرى .

أزمة ديون فرنسا للجزائر :
اندلعت بفرنسا ثورة عام 1789م ، جعلتها تبتعد وتواجه رفضًا من قبل شركائها بالأنظمة الملكية والدول المجاورة آنذاك ، فجميعهم لا يرغب في امتداد شعارات مناهضة للدين والنبلاء وغيرها ، مما عزلها عن حلفائها الأوروبيين ، خاصة التجاريين منهم والعسكريين مثل النمسا وروسيا ، والإمارات الكاثوليكية وغيرها.

فعقب تلك العزلة واجهت فرنسا ظروفًا قاسية من أجل تموين السلع الأساسية ، وهنا لم يكن هناك مفر من توجيه نظرها نحو الدول الأخرى خارج القارة ، أي المستعمرات التي وضعت يدها عليها ، وفي عام 1798م حيث اقتحم نابليون بونابرت مصر بجيشه واستولى ونهب خيرها ، إبان حملته الشهيرة تم الاتفاق مع تاجرين يهوديين على أساس تسهيل استيراد القمح من ولاية الجزائر العثمانية وتوريدها للجيش الفرنسي ، وهو ما تم بالفعل حيث ظلت فرنسا تنهب من القمح الجزائري طيلة الفترة من عامي 1803م و1815م .

ورغم ذلك بلغت ديون فرنسا آنذاك ما يقرب من 28 مليون فرانك فرنسي ، نظرًا لما تكبدته نتيجة حروب بونابرت ، وهو مبلغ خيالي لدولة مديونية في فترة القرن التاسع عشر ، وإزاء تلك الديون المتراكمة ، أرسل الوالي العثماني حسين داي إلى ملك فرنسا ، شارل العاشر ثلاث رسائل طالبه فيها بتسوية الديون الفرنسية وتسديد كافة المستحقات ، ولكنه لم يتلق ردًا .

فأرسل إلى القنصل الفرنسي واستدعاه لمعرفة أسباب عدم رد الملك على الرسائل المرسلة له ، ولكن القنصل أجباه بأن ملك فرنسا لن يجيب على رسائل واليًا عثمانيًا ، مما أثار غضب حسين داي وصفع القنصل بمروحته .

تلك الحادثة التي رواها البعض بأكثر من طريقة منها أنه قام بطرد القنصل بمروحته ، مشيرًا إليه فقط دون أن يلمسه ، وآخرون أكدوا الرواية السابقة ، ولكن المهم هنا هو أن الحديث بينهما لم يسير على ما يرام ، وهنا استغلت فرنسا الحادث لتبرير هجومها على الجزائر .

وجدير بالذكر ، بأن هذا الدين الفرنسي لم يتم سداده حتى يومنا هذا ، بل ازداد بشكلٍ مكثف على مدار مائة وثلاثون عامًا إلى جانب ما نهبته فرنسا من خيرات الدولة وثرواتها إبان فترة الاحتلال ، خاصة المنتجات اليدوية والمعادن.

تصدير أزمة الحكم بفرنسا :
عانت فرنسا طويلاً من عدم الاستقرار السياسي خاصة عقب وصول نابليون للحكم ، وخوضه العديد من الحروب ، مما أعاد الحكم الملكي إلى فرنسا مرة أخرى من خلال الملك لويس الثامن عشر ، والملك شارل العاشر ؛ والذي شهد عهده العديد من الأزمات السياسية بين كل من النبلاء والملك ، والأمراء والملك من جانب آخر .

وهنا لمعت في رأسه فكرة الاتجاه للحرب مع الجزائر إثر نشوب توترًا ملحوظًا في العلاقات بينهما ، حتى تتجه أنظار الجميع إلى العدو الخارجي ، ويتوحدوا جميعًا تحت ظل راية واحدة ، ولكن خطته باءت بالفشل .

ثورة يوليو 1830م في باريس :
عقب وقوع حادث المروحة مباشرة ، وتهديد فرنسا للوالي حسين داي ، سقط الملك شارل العاشر من منصبه ، في نفس الفترة التي كان يشق فيها الأسطول الفرنسي البحري سواحل الجزائر ، في أعقاب ثورة عزلت عائلة بوربون من الحكم مرة أخرى ، وتولى الملك لويس فيليب الحكم الفرنسي آنذاك ، وعلى الرغم من كل تلك الأحداث السياسية ، إلا أن خطة حصار الجزائر استمرت منذ عام 1827م ، وانتهت في عام 1830م عندما استسلم لهم الوالي حسين داي.

By Lars