تعد حرب المائة عام بين كل من فرنسا وانجلترا ، من أطول الحروب تاريخيًا ، حيث وقعت تلك الحرب على مدار مائة وستة عشر عامًا ، تعاقب خلالها خمسة ملوك في حكم فرنسا ، وخمسة ملوك في حكم بريطانيا ، وانتصرت خلالها فرنسا على بريطانيا وتمكنت من استعادة أراضيها ، والتي وقعت في أيدي المستعمر الانجليزي .
تسمية حرب المائة عام :
أول من أطلق اسم حرب المائة عام على تلك الحرب التي اندلعت ، بين كل من فرنسا وبريطانيا بالقرن التاسع عشر ، كان الكاتب والمؤرخ الفرنسي فيليب كونتامين ، في كتابة الذي نشر عام 1823م ، تلاه صدور كتاب آخر يحمل نفس التسمية للحرب عام 1852م للكاتب الفرنسي ث. باشليه ، أعقب ذلك تداول المصطلح بالكتب المدرسية الفرنسية بحلول عام 1839م ، حيث استخدمه الكاتب الفرنسي بورو في كتابه بعنوان تاريخ فرنسا للتعليم المدرسي .
أسباب اندلاع حرب المائة عام :
يعود اندلاع تلك الحرب الطويلة إلى العديد من الأسباب المتباينة والمترابطة في نفس الوقت ؛ فقد مرت أوروبا بفترة كساد في العصور الوسطى ، واستمر الاقتتال بين كل من عائلتي بلانتاجونت البريطانية ، وكابيتنز الفرنسية من أجل السيطرة على منطقة غوين والمعروفة حاليًا باسم بوردو ، بالإضافة إلى الصراع المحتدم على العرش الفرنسي عام 1328م عقب وفاة الملك تشارلز الرابع ؛ وذلك نظرًا لأن الملك المتوفى لم يكن لديه أبناء ذكور ، من أجل تولي العرش الفرنسي إثر وفاته .
ولكن كان للملك تشارلز ابنة واحدة وكانت زوجته حاملاً في هذا الوقت ، فكان من المفترض إن أنجبت ذكرًا يتولى هو العرش خلفًا للملك تشارلز ، وكان الملك البريطاني إبن شقيقة ملك فرنسا الراحل ، فاعتقد أن ولاة العرش من حقه ، خاصة أن الطفل الذي أنجبته الملكة الفرنسية قد مات عقب أيام معدودات .
أزمة العرش الفرنسي :
برزت أزمة العرش الفرنسي بشدة ، عقب وفاة الملك ووفاة إبنه الوحيد فور أيام معدودات من ولادته ، فتم طرح خيارات عدة من أجل تولي العرش الفرنسي ، وكان أحد تلك الخيارات تولية إدوارد الثالث ملك بريطانيا للعرش ، وهو ابن الأميرة إيزابيلا شقيقة الملك الفرنسي المتوفى تشارلز الرابع .
ولكن رفض الفرنسيون أن تخضع فرنسا ، لحكم الملكة إيزابيلا وزوجها روجر مورتيمر ، وذلك بحجة تولية ابنهما للعرش الفرنسي ، فقان باستلام العرش الملك فيليب السادس في عام 1328م ، وهذا ما رفضه الملك إدوارد الثالث ، وامتنع عن تنصيب الملك فيليب السادس ، وقرر استرداد عرشه بالقوة .
معركة كريسي بين بريطانيا وفرنسا :
استعد الملك إدوارد الثالث بقواته الغاشمة التي انطلقت في يوليو من عام 1346م ، نحو أعماق الأراضي الفرنسية ، حتى وصلت إلى نهر السوم حيث ترابط قوات الملك فيليب السادس في انتظارهم.
واندلعت أول حرب ومعركة برية بين الجانبين ، انتصر خلالها الجانب البريطاني على الجانب الفرنسي ، ففر الملك فيليب السادس إلى اسكتلندا تاركًا ساحة المعركة ، ليحصل على إمدادات من الجيش الاسكتلندي ، حيث طلب من ملك اسكتلندا أن يرسل بعض جيوشه إلى الأراضي البريطانية فيشغلهم عن المعركة بينهم وبين فرنسا ، بالدفاع عن أرضهم .
ولكن الجيش البريطاني تمكن من حماية أراضيه والدفاع عنها ، وهزم الملك الاسكتلندي ديفيد الثاني ، في معركة عُرفت باسم الصليب نيفيه في أكتوبر من عام 1346م ، وتم أسر الملك الاسكتلندي على خلفية تلك المعركة ، فتفرغت بريطانيا لملاقاة الملك الفرنسي مرة أخرى .
القوات البريطانية تأسر الملك الفرنسي :
استمرت القوات البريطانية في زحفها وتغلغلها بالأراضي الفرنسية ، حيث قاد القوات البريطانية الأمير إدوارد ابن الملك إدوارد الثالث ، والذي كان يلقب بالأمير الأسود ، نظرًا لاستطاعته التغلب على وباء الطاعون الذي انتشر في تلك الفترة بكافة أنحاء بريطانيا .
هذا الأمير الذي تمكن من هزيمة القوات الفرنسية في معركة جديدة ، هي معركة بواتييه عام 1356م ، وتم أسر ملك فرنسا جون الثاني بتلك المعركة ، فتم تنصيب الأمير شارل ملكًا لفرنسا إثر تلك الواقعة ، واستمر في الحكم حتى عاد الملك جون الثاني للحكم مرة أخرى عام 1360م .
كان خلال الفترة التي تملّك فيها الملك شارل زمام الحكم ، قد عاث فسادًا وحازت طبقة النبلاء على العديد من السلطات ، التي مكنتهم من سرقة أراضي الفلاحين وأموالهم ، بحجة الديون ، وكانت الفوضى قد عمت كافة أرجاء فرنسان خلال فترة حكمه .
معاهدة بريتاني :
هاجمت القوات البريطانية فرنسا للمرة الثالثة عام 1360م ، وكانت وجهتهم هذه المرة هي باريس ، التي لاقتهم بمقاومة عنيفة للغاية كبدت الجيش البريطاني الكثير من الخسائر الفادحة ، خاصة مع حدوث وفيات كثيرة للغاية بين صفوف الجيش البريطاني نتيجة البرد القارص آنذاك .
فاتخذ الملك البريطاني إدوارد الثالث قراره بالذهاب إلى ملك فرنسا جون الثاني ، وتوقيع معاهدة بريتاني Brétigny نسبة إلى المؤتمر الذي انطلقت منه ، ويطلق عليها أيضًا معاهدة كاليه نسبة إلى المدينة التي عقدت فيها وقائع المعاهدة .
والتي تضمنت اعتراف فرنسا بسيطرة بريطانيا على بعض المدن التي احتلتها فرنسا ، وفي المقابل يتخلى الملك إدوارد الثالث عن بعض المدن الفرنسية مثل نورماندي ، وماين ، وتورين ، وأنجو وإعادتها مرة أخرى لفرنسا .
واكتملت بنود المعاهدة بمطالبة الملك إدوارد بالتخلي عن مطالبته بحقه في عرش فرنسا ، ومنح فرنسا ثلاثة ملايين جنيهًا ذهبيًا لملك بريطانيا ، وأخيرًا إطلاق سراح الملك جون الثاني من الأسر في مقابل تسليم إبنيه وشقيقه وسبعة وثلاثين أميرًا فرنسيًا لبريطانيا ، وكذلك تسليم أربعة من سكان باريس واثنين من مواطني كل مدينة من المدن الفرنسية التسعة عشر لبريطانيا أيضًا .
السلام الأول بين بريطانيا وفرنسا :
عقب توقيع معاهدة بريتاني عاشت كل من فرنسا وبريطانيا فترة سلام ، امتدت منذ عام 1360 وحتى عام 1369م ، حيث تم إطلاق سراح الملك جون الثاني الذي توفى بحلول عام 1369م ، وتولى العرش من بعده الملك شارل الخامس .
عودة الحرب بين فرنسا وبريطانيا :
اندلعت الحرب بين الطرفين البريطاني والفرنسي مرة أخرى في عام 1369م ، حيث حاول الأمير إدوارد ابن الملك إدوارد الثالث غزو بعض الأراضي الفرنسية ، وذلك بعدما طلب الملك شارل رؤيته إثر طلب الأمراء عدم قبول دفع الضرائب التي تم فرضها في معاهدة بريتاني .
ولكن بدلاً من ذهاب الأمير إدوارد للتفاوض ، قام بتأهيب جيشه وهاجم فرنسا مرة أخرى بدلاً من زيارتها ، وأقر والده الملك إدوارد الثالث بأنه سوف يطالب بحقه في العرش الفرنسي ، إذا لم تستجب فرنسا وتدفع الضرائب ، وأخلت بمعاهدة بريتاني .
وردًا من الملك شارل الخامس على ما بدر من الملك إدوارد وابنه ، أعلن عن مصادرة كافة الأملاك البريطانية في فرنسا وقبل أن ينتهي عام 1369م اندلعت الحرب بين الطرفين في مدينة بوردو مرة أخرى ، ولكن مني البريطانيون بهزيمة ساحقة آنذاك أمام الجانب الفرنسي .
السلام الثاني بين فرنسا وبريطانيا :
فقدت الحرب بين الدولتين شعبيتها بين أبناء الشعب البريطاني ، نتيجة الضرائب المفروضة على المواطنين من أجل تمويل تلك الحرب الطويلة ، مما دفع الفلاحون للقيان بانتفاضة تنديدًا بتلك الضرائب الزائدة .
فعمل الأمراء للضغط على الملك من أجل إنهاء الحرب بينهم وبين فرنسا ، عن طريق مجلس اللوردات وبالفعل أتت محاولاتهم ثمارها ، وبدأت المفاوضات بين الجانبين البريطاني والملك الفرنسي شارل السادس عام 1380م .
وانتهت المفاوضات بين الجانبين بتوقيع معاهدة جديدة ، عرفت باسم معاهدة لولينفين Leulinghen وتم توقيعها في عام 1389م ، وتضمنت المعاهدة إيقاف الحرب بين الطرفين المتنازعين لمدة ثلاثة أعوام .
خلال هذا العام عاد الدوق جون لانكستر عم الملك ريتشارد ، ملك إسبانيا وقضى على كل المناوئين له ، وعقب وفاته في عام 1399م ، صادر الملك ريتشارد الثاني أملاك ابن عمه الملك هنري بولينجبروك وقام بنفيه إلى إسبانيا .
ولكن عاد هنري مرة أخرى إلى بريطانيا بهجوم قوي ، استطاع خلاله أن يخلع الملك ريتشارد الذي توفى في محبسه عقب مرور عامين فقط من اعتقاله ، وتولى الملك هنري بولينجبروك العرش بدلاً من ريتشارد ، وحكم باسم الملك هنري الرابع .
مطالب بريطانية تمهد لعودة الحرب :
بحلول عام 1413م توفى الملك هنري الرابع ، وتولى العرش خلفًا له ابنه هنري الخامس ، الذي أراد استغلال الاضطراب الذي وقع في فرنسا بين أفراد العائلة المالكة ، والانقسام الذي حدث داخل الأسرة من أجل الحصول على السلطة والفوز بها وحده .
فأرسل الملك هنري الخامس بمطالبه لفرنسا ، والتي أراد فيها الحصول على عدد من المدن الفرنسية لصالح بريطانيا ، بالإضافة لطلبه الزواج من ابنة الملك الفرنسي الصغرى ، ولكن قوبلت مطالبه بالفرض ، فاستعد الملك هنري الخامس من أجل حرب جديدة يشنها على فرنسا ، حيث اتخذ تلك المطالب كذريعة للحرب بينه وبين الجانب الفرنسي ممنيًا نفسه بالانتصار .
نهاية حرب المائة عام :
كانت معركة كاستيون آخر معركة بين الجانبين البريطاني والفرنسي ، إلا أن البلدين ظلتا في حالة حرب حتى تم عقد معاهدة بيكوغني Picquigny عام 1475م ، والتي وضعت حدًا للحرب بينهما ، حيث انتهت حرب المائة عام رسميًا بين كل من فرنسا وانجلترا ، بتخلي الملك البريطاني عن المطالبة بالعرش الفرنسي .