الصحابي الجليل سعيد بن عامر الجمحي رضي الله عنه وأرضاه كان من صحابة رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وقد دخل في الإسلام بعد أن غدر المشركون بالصحابي خبيب بن عدي وقتلوه ومثلوا به ، فأثرت حادثة استشهاد خبيب في نفسه وكانت سبب في دخوله الإسلام وكان في ذلك الوقت شابًا يافعًا من شباب قريش .
فأعلن إسلامه بعد تلك الحادثة على الملأ ثم هاجر إلى المدينة وكان مظهره بعد دخوله في الإسلام لا يختلف عن مظهر فقراء المسلمين وذلك ليس لأنه كان فقيرًا أو بخيلًا بل على العكس كان متصدقًا زاهدًا ينفق كل أمواله في سبيل الله ، وبعد دخوله الإسلام شارك مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر والغزوات الأخرى التي تلتها .
وأثناء ولاية سيدنا عمر بن الخطاب وبعد أن قام بعزل معاوية من ولاية الشام أخذ يبحث عن شخص أمين ليوليه على الشام ، فلم يجد أفضل من الصحابي الزاهد سعيد بن عامر فأرسل إليه وعرض عليه ولاية حمص ، ولكن سعيدًا اعتذر وقال للخليفة “لا تفتني يا أمير المؤمنين” .
فصاح به سيدنا عمر رضي الله عنه وقال له ” أتضعون أمانتكم في عنقي ثم تتركوني؟! ، ووافق سعيد بن عامر واصطحب زوجته واتجها نحو حمص وكان سيدنا عمر قد زوده ببعض المال ،وفي الطريق لبت منه زوجته أن يعطيها من المال الذي أعطاه إياه أمير المؤمنين لتشتري به متاع لائق يليق بها .
فقال لها سيدنا سعيد سوف أعطي المال لمن يتاجر لنا به ، فقالت له زوجته وماذا لو خسرته ، فرد عليها سيدنا سعيد سوف أخذ ضمانًا عليه ، وخرج واشترى لزوجته بعض الزاد ووزع باقي المال على المساكين ، وكانت منحين لأخر تسأله عن المال فيخبرها أنه نما وزاد ، ولكن في أحد المرات ألحت في طلب المال ، فأخبرها أنه تصدق به كله ، فبكت الزوجة فقال لها رضي الله عنه ” لقد كان لي أصحاب سبقوني الى الله ، وما أحب أن أنحرف عن طريقهم ولو كانت لي الدنيا بما فيها ” .
وفي يوم من الأيام طلب الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كشوف من أهل حمص بها أسماء المساكين والمحتاجين حتى يرسل لهم نصيبهم من أموال بيت مال المسلمين ، فلما وردته الأسماء قرأها وجد فيها اسم سعيد بن عامر تعج سيدنا عمر كيف يكون حاكم المدينة واسمه بين الفقراء والمساكين ، فأراد أن يتبين من الأمر وأرسل إلى أهل حمص يسألهم عن حاكمهم وحاله معهم .
فعلم سيدنا عمر منهم أن الصحابي الجليل ينفق ماله كله على الفقراء والمحتاجين ، ولما سألهم سيدنا عمر عما إذا كانوا يشكون منه في شيء فأخبروه بأربعة مأخذ يشكون منها ، وهي أنه لا يخرج إليهم إلا في وقت الضحى ولا يخرج في الفجر ولا يرد عليهم أثناء الليل ، ويغيب عنهم يومًا في الشهر وأنه عندما يجلس معهم تصيبه غشية من حين لآخر .
وكان سيدنا عمر رضي الله عنه يعلم أنه شخص أمين فذهب إليه وسأله عن الأمور التي شكا منها الناس ، فأخبره سعيد أنه يخرج الضحى لأنه لا يملك خادمًا لأهله فيقوم الفجر يعجن الخبز ويتركه يختمر ثم يخبزه لأهل بيته ، أما عن الليل فإنه جعله لله جل وتعالى وخصص النهار لقضاء حوائج الناس ، وأما اليوم الذي يحتجب فيه عنهم لأنه لا يملك سوى قميص واحد يغسله في هذا اليوم وينتظر حتى يجف وفي أخر النهار يخرج للناس ، أما عن وقت الغشية فلأنه يتذكر استشهاد خبيب بن عدي الأنصاري رضي الله عنه فيحزن إذ يظن أن الله لن يسامحه عن ذلك اليوم ويتذكر عذاب الله فيغشى عليه .
وقد توفي رضي الله عنه عام 20 للهجرة أثناء ولايته لحمص وهو لا يملك من المال شيئًا ، رضي الله عنه وأرضاه .