إن سلمة بن الأكوع أعجوبة من أعاجيب الدهر فهو رام لا يخطئ أبدا وعداء لا يسبق ومقدام لا يهاب ومغامر لا تنتهي عجائب مغامراته تقرأ أخبار بطولاته فيخيل إليك أنه درب من الخرافات والأساطير وما هي كذلك فقد رواها الشيخان وأثبتاها في صحيهما ، فهو سلمة بن عمرو بن الأكوع، واسم الأكوع سنان بن عبدالله بن قشير بن خزيمة بن مالك بن سلامان بن أسلم الأسلمي ، وكان لسلمة بن الأكوع في مكة أموال وعقار فاعتنق الاسلام وهاجر إلى الله ورسوله صلّ الله عليه وسلم وخلف ورائه كل ما يملك وعمل في المدينة سائس لفرس طلحة بن عبيد الله من أكل طعامه .
بطولة سلمة بن الأكوع :
خرج رسول الله صلّ الله عليه وسلم بخمسمائة من أصحابة وفيهم سلمة بن الأكوع يريد العمرة فلما نبأ قريش نبأ خروجه قامت له تريد أن تصد رسول الله صلّ الله عليه وسلم عن البيت الحرام ، فنزل عليه السلام بمن معه في الحديبية ثم أوفد عثمان بن عفان إلى مكة المكرمة سفيرًا بينه وبين قريش ولكن الأخبار ما لبثت أن جاءت أن قريش قتلت عثمان فعزم الرسول صلّ الله عليه وسلم على حربهم ودعا المسلمين الذين معه إلى مبايعته على القتال والموت .
وقال سلمة بن الأكوع لما دعانا رسول الله صلّ الله عليه وسلم إلى مبايعته عند الشجرة بايعته أول الناس وبدأ المسلمون يبايونه حتى إذا بلغ نصف الناس التفت إلي وقال بايع يا سلمة فقلت قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس وأيضًا فبايعته الثانية وعند ذلك رأني عليه الصلاة والسلام أعزل من السلاح فأعطاني ترس احتمي به ثم جعل المسلمون يبايعونه حتى إذا بلغ أخر الناس التفت إلي وقال ألا تبايعني يا سلمة فقال قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس وفي وسطهم وأيضًا فبايعته الثالثة ، ثم نظر إلى يدي وقال أين الترس الذي أعطتيك فقلت يا رسول الله لقيني عمي عامر فوجدته أعزل فأعطيته إياه فضحك رسول الله صلّ الله عليه وسلم .
قال سلمة إن المشركين راسلونا بالصلح فاصطلحنا وأهل مكة واختلط بعضنا ببعض فأتيت شجرة وكنست ما تحتها من شوك وجلست في ظلها وما هو إلا وقت قليل حتى أتاه أربعة من المشركين فعلقوا اسلحتهم على الشجرة وجلسوا قريبًا منه وجعلوا ينالون من رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، فأبغضهم وتحول عنهم خوفًا من أن يبدئهم بالقتال وبينما هم كذلك إذ نادى منادي من أسفل الوادي لقد قتل المشركون ابن زنيم وشهر سيفه ووثب على أسلحتهم فجعلها حزمة في يساره وشدد عليهم قبل أن ينقضوا كل ذلك في طرفة عين ثم بادرهم قائلًا :
والذي أكرم وجه محمدًا صلّ الله عليه وسلم لا يرفع أحدُ منكم رأسه إلا ضربت عنقه ثم أوثقتهم وجئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، ثم إن الرسول صلّ الله عليه وسلم مضى بأصحابه ومعه سلمه بن الأكوع حتى بلغ المدينة المنورة وما إن استقر حتى أمر غلامه رباح أن يخرج بالإبل حتى يرعاها في البادية فعزم سلمة على أن يخرج معه حتى يرعى فرس طلحة بن عبيد الله أيضًا ، توشح قوسه وحول نباله وانطلق هو صاحبه حتى بلغ مكانًا شمال المدينة يقال له الغار فأراح فيه وبات هناك ليلتهما ، وفي الوقت الأخير من الليل استيقظا على كتيبة من فرسان غطفان مكونة من 40 فارسًا أغارت على أبل رسول الله صلّ الله عليه وسلم وقتلت ولد لأبي ذر الغفاري كان عند الإبل وعند ذلك قال لرباح خذ هذا الفرس وأديه إلى صاحبه وأخبر رسول الله صلّ الله عليه وسلم أن المشركين أغاروا على أبله .
وقال سلمة ثم ارتقيت أكمه فوق ثنيه الوداع واستقبلت المدينة وناديت بأعلى صوتي وااااه صباااحاه ثلاث ثم خرجت أعدو في إثر القوم حتى غدوت غير بعيد منهم فوترت قوسي ورميت واحد منهم بسهم فاستقر في كتفه فقلت خذه وأنا ابن الأكوع اليوم يوم الرضع ثم طفقت أطردهم وأرميهم وأنا أقول الشعر وكانوا في كل مرة يخلفون ورائهم بعضًا من أبل رسول الله صلّ الله عليه وسلم فأجعلها خلفي وأمضي في إثرهم فإذا رجع إلي فارس منهم يريد قتلي توقفت عن العدو والتمست شجرة وجعلت أرميه فيرتد عني ثم ما زالت أطردهم حتى دخلوا في طريق ضيق يكنفه جبلين فتسلقت أحدهم وجعلت أهيل عليهم الحجارة ، من أعلاه فتتساقط فوقهم وأخذت ابل رسول الله صلّ الله عليه وسلم وأخذوا يتخففوا من أثقالهم فخلفوا 30 بردة و30 رمح .
فكلما رموا شيئًا جعلت عليه علامة من الحجارة حتى يهتدي إليه رسول الله صلّ الله عليه وسلم ثم خلفتهم وأدركني الإعياء فجلسوا يستريحون ويتغدون وجلست على رأس جبل غير بعيد عنهم أنظر إليهم وأرقبهم وبينما هم كذلك أتاهم رجل من قومهم ونظر إلى ما حل بهم وقال ما هذا الذي أرى فأشاروا إلي وقالوا : لقينا من شؤم هذا الرجل ما لقينا فولله ما فارقنا منذ الغلس وهم يرمينا حتى أتنزع منا كل شيء في أيدينا .
فقال فليقترب نفر منه فلما اقتربوا منه بحيث يسمعون كلامي قلت لهم هل تعرفونني فقالوا لا ومن أنت فقلت أنا سلمة بن الأكوع لا أطلب رجل منكم إلا أدركته ولا يطلبني رجل منكم فيدركني ، فقال أحدهم أنا أظن ذلك ثم رجعوا عني فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلّ الله عليه وسلم قد أقبلوا من المدينة أولهم الأخرم الأسدي وعلى إثره أبو قتادة الأنصاري وعلى إثره المقداد بن الأسود فما إن رأهم القوم حتى هبوا وولوا مدبرين ..