في فترة الثلاثينات المنصرمة ، لن تصدق أن الصين لم تكن بمثل هذا التطوّر الحالي ، فقد كانت غارقة بشدة في الحروب الأهلية ، والفساد ، والتدمير ، وتعرض أغلب مواطني الصين إلى الظلم والابتزاز ، رغم قيامهم بأربعة ثورات ضد الإقطاعيين ، ولكنهم باءوا جميعًا بالفشل.
وفي وسط هذا الدمار التام الذي تعرضت له الصين ، ظهر بينهم قائدًا ثوريًا يٌدعى صن يان سين، استهدف إصلاح هذا الدمار وتجميع القوى الثورية تحت مظلة واحدة ، وذلك من خلال محاولات متتالية لإقناع الإمبراطور الحاكم بالإصلاحات السياسية الداخلية ، وتجميع القوى المتفرقة ، ولكنه لم يستجيب .
فاتجه صان إلى تكوين ما عٌرف آنذاك بجيش التحرير الصيني ، الذي نجح أخيرًا في تحرير شرق الصين ، ونتيجة تأثر صان بثورة أكتوبر الروسية ، اتجه صان للتحالف مع الشيوعيين وضمهم إلى القوميين تحت مظلة واحدة .
وتحول إلى أحد الأصدقاء المقربون للزعيم الروسي فلاديمير لينين ، ولكن توفى بعد صان ليتولى قيادة الجيش قائدًا جديدًا ، ولكن للأسف الشديد كان معاديًا للشيوعيين ، فأمر بمحاربتهم ، وما لبثت أن انطلقت الحرب الأهلية بين القوميين ، والشيوعيين ، وسالت أنهار الدماء في منتصف الثلاثينات ، أضافت المزيد من السوء إلى أوضاع الدولة الصينية ، حيث واجه الصينيون جحيمها بشكلٍ فج.
بالطبع ، هذا الوضع السيئ للصين ، أغرى الدول المجاورة بمحاولة احتلالها في ظل هذا الضعف العام لها ، فكانت أنظار اليابان تتجه إلى الاستيلاء على جارتها الصين ، كبداية قوية لطمعها في الثروات الصينية الهائلة .
وما لبثت اليابان أن تقدمت إلى الصين بجيوشها ، وبدأت المدن الصينية في السقوط بيد الجيش الياباني واحدة تلو الأخرى ، وكانت البداية من منشوريا بحجة حماية مواطنيها ، ثم توالى سقوط الصين تدريجيًا .
وكانت تلك الشرارة التي انطلقت لتجمع شمل كل من القوميين والشيوعيين بالصين ، تخوفًا من خسارة بلدهم ، ولكن لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن ، فرغن التعداد الهائل للجيش الصيني ، إلا أن أسلحة الجيش الياباني المتقدمة ، كانت عاملاً لسحق الجيش الصيني ، وتراج كل من الشيوعيين ، والقوميين ، وسقطت العاصمة بكين .
مذبحة نانجينغ :
استطاع الصينيون تكوين جيشًا جديدًا في مدينة نانجينغ ، من حواليّ مائة ألف مقاتل ، وتم حث الأجانب للخروج من المدينة ، وعلم الجيش الياباني بذلك ، فاتجهوا نحو المدينة المذكورة ، من أجل التخلص من هذا الجيش الجديد حتى يتمكنون من إحكام السيطرة عليهم .
وبالفعل توجه اليابانيون إلى المدينة وفي طريقهم بدأت عدة مشاهد وحشية ، فقد أحرقوا كافة القرى التي مروا بها ، وما لبثت نانجينغ أن سقطت في غضون أسبوعين ، وهرب القادة تاركين خلفهم جثث الجنود القتلى .
شهدت المدينة أسوأ أنواع الاحتلال على مر التاريخ ، فقد دخل الجنود اليابانيون إلى المدينة ، وقاموا بالاعتداء على نسائها ، وقتل كل شخص يقف في طريقهم ، حتى أن جنديين منهما تنافسًا على قتل مائة شخصًا بأسرع وقت ممكن بقطع رقابهم بالسيف ، وكان حصيلة تلك المسابقة مقتل مائة وثمانية وخمسون قتيلاً .
وتعدوا على نساء المدينة بغض النظر عن أعمارهن ، ومن كانت ترفض كان يتم قتلها طعنًا بالحربة ، وكانت النساء تفضلن تناول السم والانتحار بدلاً من القتل عقب الاعتداء عليها ، فقد كانت النساء تلقين مصرعهن عقب عمليات الاعتداء الجماعي الوحشية عليهم .
وذكر شهود العيان آنذاك ، بأن ما شهدوه كان أبشع ما حدث في تاريخ العالم من مجازر ، ومع تفاقم الغضب الصيني من عمليات الاعتداء على النساء ، قامت القيادة اليابانية بتقنين تلك العمليات ، وخلقت ما عٌرف وقتها بنساء المتعة ، حيث يتم حملهن لمعسكرات الجنود ، حيث رأت القيادات أن ذلك أمر مهم من أجل رفع معنويات الجنود .
لم تتوقف الجرائم الوحشية عند هذا الحد فقط ، فقد أجبر القادة اليابانيون جنودهم على أكل لحوم البشر من الأسرى الصينيون ، ليس جوعًا وإنما إثباتًا للقوة ، وجدير بالذكر ، أنه قد تم إنتاجًا أفلامًا عدة من أجل توثيق تلك المجازر البشعة ، بحق الشعب الصيني.
وذكرت مصادر عدة ، أن حصيلة تلك المذبحة تجاوزت المليونيّ قتيل ، ولم يعترف اليابانيون بتلك الجرائم ، بل برروها بشكلٍ أكثر دناءة من المحاولات البشعة نفسها.