يقول محمد بن المنكدر وهو من العلماء الصالحين في يوم من الأيام أصاب أهل المدينة القحط وحل بأهلها الجوع فخرج كل أهل المدينة وهم الصالحون العابدون يدعون ويطلبون المطر فما استجيب لدعائهم ولا نزل المطر .
وفي هذه الليلة خرج إلى المسجد لصلاة العشاء وبعد الانتهاء جلس واتكأ على سارية وكان المسجد في هذا الوقت مظلم فدخل رجل أسود اللون لا يعرفه فلم ينظر إلى وأخذ يقول يا الله يا رباه خرج أهل حرم نبيك صلّ الله عليه وسلم يستسقون فلم تسقهم وأنا أقسم عليك يا الله لتسقينهم الساعة يا الله .
فيقول محمد بن المنكدر فقلت في نفسي أن هذا الرجل مجنون كل أهل المدينة خرجوا للدعاء لله وما سقاهم وهو يقسم على ربه أن ينزل المطر ، فولله ما وضع يده حتى سمعت الرعد وجاءت السماء بالمطر وعندما هم بالخروج من المسجد ليذهب لأهله فإذا به يرى المطر ينزل فحمد لله وأثنى عليه فقال من أنا يا الله حيث استجبت لي دعوتي ولكن عدت بحمدك وجدت بفضلك وأخذ الرجل يبكي بكاءً شديدًا .
وخرج فتبعته من دون أن يشعر بي حتى علمت منزله ثم عدت إلى المسجد ولما توسطت الشمس قصدت داره وعندما دخلت وجدته جالس يخيط النعال وإذا به اسكافي يصلح الأحذية فقلت له يا هذا ألست بصاحب ليلة البارحة في المسجد لقد نظرت إليك وعلمت ما الذي جرى فغضب واسود وجهه وقال يا أبا عبدالله ما شأني وشأنك ما الذي جاء بك وما الذي جعلك تتبعني وما الذي جعلك تنظر إلي وما الذي جعلك تعرف ما عندي ثم إزداد غضبًا ورأيت هذا الغضب في وجهه ، فقلت أخرج من عنده حتى لا يحدث شر .
فلما صليت وأشرقت الشمس ذهبت إلى داره فوجدت الباب مفتوحًا ولا أحد عنده فاقتربت فقالت عجوز عند البيت يا أبا عبد الله ماذا فعلت معه منذ أن قابلته جمع أمتعته وخرج من البيت ولم يرجع إلى هذه الساعة ، فبحثت عنه في المدينة كلها لسنوات فلم أره ولم أسمع به فقد فضل أن يتوارى عن الخلق لمجرد أن أحد عرف السر الذي بينه وبين الله تعالى ، فما أجمل العمل الصالح الخالص لوجهه الله لا يعلمه أحد ..