ما أعظم الإيمان عندما تصاحبه خشية الله ، وما أكثر القصص التي وصلتنا عن الأتقياء الذين كانت مخافة الله عز وجل وعلى من أعظم صفاتهم ، وأحد هؤلاء الأجلاء هو التابعي الجليل عطاء البصري ، وتبدأ القصة بدعائه قائلًا في أحد الأيام : يا رب إنك تعلم أنى أخافك وأخشاك ، فأبعدني عن كل معصية تُغضبك منى ، واصرفني عن كل فعل لا يرضيك ” .
بعد ذلك دخلت زوجته الغرفة وقالت له : يا عطاء إنك تصلي وتدعو الله ليل نهار وتبكي من خشية الله كثيرًا ، فرد عطاء قائلًا : وكيف لا أخشاه و أنا أعلم أنني سألاقيه يومًا ، وسيحاسبني على كل ما فعلت و لن ينفعني يومها عذرًا أو اعتذارًا ، و بعد انتهاء حديثهما ارتدى ملابسه فسألته زوجته : أين أنت ذاهب الآن ؟
فرد قائلًا : أحد أصدقائي مريض ولا أريد أن يفوتني هذا الثواب ، ثم قال وهو متوجهًا إلى طريقه : السلام عليكم ورحمة الله فردت زوجته التحية قائلة : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أعانك الله على فعل الخير دائمًا يا عطاء ، فانطلق متجهًا نحو هدفه ذاكرًا الله أثناء سيره ، ثم قطع طريقة شخص متسول قائلًا : يا سيدي أعطني مما أعطاك الله ؟
فقال التابعي الجليل : والله ليس معي شيء أعطيك إياه ولو كان معي ما تأخرت عنك ، ثم سار في طريقه ولكن دار حوار داخله يؤنبه قائلاً : ما هذا الذي فعلته يا عطاء ؟ ربما أغضبت هذا الرجل و آذيت شعوره ، ومن قال أنني لا أملك شيء ؟ ثم التفت و نادى على الرجل المتسول قائلاً : يا أخي انتظر سأتيك أنا ، أُعذرني يا أخي فلم أقصد أن أنهرك أو أُغضبك .
رد المتسول متعجبًا : تُغضبني ! لقد كلمتني بهدوء واحترام يا سيدي ، فأنت لا تملك شيئًا بالفعل كما يبدو على مظهرك ، فقال عطاء البصري رحمه الله : بل أملك ، خذ هذه وخلع البصري عباءته وأعطاها للمتسول ، وقال له : خذ هذه العباءه البسها إن كنت تحتاج إلى ملابس أو بعها واستفد من ثمنها ، فقال له المتسول متأثرًا أتخشى الله إلى هذا الحد ولا أخشاه !
فأنا فأتسول من المارة ولا أعمل ، لا حاجة لي بعباءتك فقد علمتني درسًا مهمًا ، ولكن التابعي الجليل عطاء البصري قال له : ستأخذها فلن أقبل شيء تصدقت به ابتغاء مرضاة الله ، ثم ألقى عليه السلام وسار في طريقه ، فرد عليه المتسول التحية قائلًا : وعليك السلام أيها الرجل الكريم .
لقد كان خوف عطاء من الله وخشيته منه سببًا في تصرفات قد يراها الناس حوله غريبة ، ولكنهم كانوا يدركون بعد ذلك أنها واجبٌ على كل مسلم تقي ، ووصل عطاء إلى بيت صديقه المريض ودار بينهما حوار حيث قال له صديقه المريض : لا أستطيع الصبر على تحمل هذا الألم ولا أتحمله ، فقال له عطاء : وإن كنت أتمنى أن يعافيك الله و يخفف عنك ألآمك ، إلا أن هذه الألأم وهذه المعاناة والله خيرٌ لك .
فقال صديقه المريض : أين الخير في هذا ؟ فأجابه عطاء : كل أمر المؤمن خير والله يُكفر عنك من سيئاتك بكل لحظة ألم تمر عليك ، فقال المريض متسائلًا : أحقًا هذا ؟ قال عطاء : إذا صبرت عليه ورضيت بقضاء الله ، إذا فعلت ذلك فإنك تؤجر وتثاب وتنال حسنات بقدر صبرك ، فقال الصديق المريض : لقد تعجبت في البداية من كلامك ولكنني أشعر الآن أنه يعينني على تحمل الألم ، فما أحوجنا إلى أن يمحو الله سيئاتنا ويزيد حسناتنا .
فقال عطاء البصري : هذا قدر الله وتلك مشيئته ، الرضا بها ثوابه جزيل والاعتراض عليها يوجب العقاب ، فقال المريض : بارك الله فيك يا عطاء والله لقد منحنى كلامك القدرة ، والطاقة على احتمال المرض والألم ، فقال له عطاء : شفاك الله يا أخي سأزورك مرة أخرى قريبًا بأذن الله ، فما أروع هذا العبد الصابر الداعٍ للخير الذي لم يضيع عملًا فيه ثوابًا إلا واجتهد فيه .