يُروى أنه كان أحد أبناء الأغنياء ، في نزهة مع مؤدبِه ، فوصلا إلى حقل منفرد ، وكان ذلك من قبيل الظهر ، فرأيا غلامًا يشتغل هناك وقد ترك حذاءه عند مدخل الحقل ، فخطر للصبي أن يخفي حذاءه ليرى ، ما يكون من حيرة الفلاح إذا طلبه ، ولم يجده ، فكأنه تصور لذة عظمى من رؤية غيره في ارتباك واضطراب .
التعليم بالحسنى واللين :
ولكن مؤدبه لم يغفل عن اغتنام هذه الفرصة ، ليعظه بطريقة لطيفة ، فأشار عليه أن يضع ريالاً في كل فردة من الحذاء ، ويشهد ما يكون من أمر الفلاح ، متلذذًا برؤيته ، في حيرة !.فعمل التلميذ بإشارة معلمه ، ثم اختبأ الاثنان بحيث لا ينظرهما الفلاح ولا يفوتهما شيء من المنظر .
فرحة الفلاح البسيط :
فلما صارت الشمس إلى كبد السماء ، ترك الفلاح شغله كعادته ، عند الظهر وجاء إلى حذائه ، ولما وضع فيه رجليه أحس بشيء فيه ، فبحث فوجد الريالين ، فخفق فؤاده فرحًا ، وخر ساجدًا شكرًا لله على هذه المنحة ، وقال : أشكرك يا إلهي من صميم فؤادي على هذه النعمة ، التي فرجت بها ضيقي وكربي ، سبحانك يا رحيم يا كريم يا حنان يا منان .
اللذة والسرور في فعل الخير ، لا في أذى الغير:
فتأثر الغلام من مثل هذا المنظر ، وأخذ يشكر معلمه ، قائلاً : لك الشكر يا سيدي على ما علمتني ، فقد هديتني إلى أفضل طريقة يتوفر بها للإنسان ، السرور الصحيح ، واللذة الحقيقية ، فحبذا لو يقتدي بمثل هذا الفتى كل الفتيان ، فيعدلون عن الألعاب التي كثيرًا ،ما تعود بالأذى عليهم وعلى الغير ، فيطلبون اللذة والسرور بفعل الإحسان والخير .
لذة الإنعام خير من لذة الإطعام :
ويروى أيضًا أنه دعا تاجر كثيرًا من أصحابه ، وأحبابه لتناول طعام الغذاء ، في بيت له البرية على شاطئ البحر ، ووعدهم أن يطعمهم نوعًا من السمك البحري الغالي الثمن ، والنادر الوجود .
قطع ذهبية ودهشة المدعوون :
فبعد أن قدم لهم أطعمة كثيرة ، أحضر في آخر الأكل صحنًا كبيرًا مغطى ، فظن المدعوون أن فيه السمك الذي وعدهم به ، لكن حينما كشف الصحن وجد به ، بعض القطع الذهبية ، فأخذتهم الدهشة والاستغراب .
تفسير ما حدث :
وأخذ التاجر ليخاطبهم قائلاً : إخواني وأحبابي ، إن السمك الذي وعدتكم بإحضاره غال جدًا ، حتى بلغ ثمنه في هذه السنة ثلاث مرات مما كنت أظن ، وتباع السمكة الواحدة بعشرين فرنكًا .
مشاركة الإحسان :
فخطر في بالي أنه يوجد في هذه البلدة رجل مريض فقير ، هو وعائلته في حالة بؤس شديد ، وأن المبلغ الذي يصرف في تهيئة صحن السمك يكفي النفقة على هذه العائلة المسكينة مدة ستة أشهر ، فإن رغبتم في إحضار السمك ، فإني مستعد لشرائه ، وتقديمه إليكم على جناح السرعة ، وإن رضيتم بأن أعطى ثمنه لتلك العائلة البائسة ، فتشاركونني في الإحسان إليها ، وإني أستعيض هذا السمك بسمك آخر ، أقل ثمنا منه ، ولكن لا يقل لذة عنه .
المحسن الكريم وسرور الفقراء :
فجميع المدعوين استصوبوا رأي هذا الرجل ، المحسن الكريم ، وقام كل واحد منهم وأضاف قطعة ذهبية إلى تلك القطع التي كانت في الصحف ، فنجت العائلة البائسة ، مما كانت فيه من الجوع والفقر ، وشعر المدعوون بلذة وسرور ، تام ، خير من لذة الطعام .. ولقد صدق من قال : عوضًا من أن تبذر مالك في المآكل اللذيذة ، أسعف به الفقراء والمحتاجين ، لتكتب في عداد المحسنين ، وتنال الفوز والنصر من رب العالمين .
آيات الذكر الحكيم عن لذة وسرور المحسنين :
وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم : (وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ ) صدق الله العظيم .. الآية 77 من سورة القصص ، وقال تعالى أيضًا ، في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم : (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) صدق الله العظيم .. الآية 56، 57 من سورة يوسف .