استأجر أحد التجار جّمالا ، ليحمل به بضاعة نفيسة من الحرير ، والدّيباج اشتراها من حلب ، ليتجر بها في إسلامبول ، واتفق معه على أجر معلوم ، وسار الركب يقطع الطريق آمنًا مطمئنًا ، وبعد مسيرة أيام قليلة أصيب التاجر بمرض شديد ، اضطره إلى التخلف عن الركب ، والنزول في أقرب قرية يتمرض فيها حتى يشفى .
خيانة الأمانة :
فوصّى الجمّال بمتاعه ، وأذن له بمتابعة السير ، وانتظاره في إسلامبول ، إلى أن يلحق به ، وما كان الجمّال يبلغ ذلك المكان القصي ، حتى وسوس الشيطان في صدره ، وسولت له النفس الأمارة بالسوء ، أن يخفر ذمته وينقض عهده ، ويخون من ائتمنه ، فباع البضاعة بثمن بخس ، وغيّر اسمه وملبسه ، وادعى أنه تاجر ليدلس على الناس ، ولكيلا يهتدي التاجر إليه متى حضر ، وجدّ في البحث عنه .
التحكيم إلى القاضي :
ولما قدم التاجر إلى المدينة طلب الرجل ، فلم يقف له على خبر ، فطفق يطوف على أنحائها لعله يقع به قدرًا ، فرآه في الطريق متنكرًا مستخفيًا ، في زي التجار ، فأمسك بتلابيبه ، واستصرخ واستغاث ، فأقبل رجال الشُرط وساقوهما إلى القاضي .
وهناك قص التاجر قصته ، فأنكرها الجمّال ، وقال : إنها فِرية كاذب محتال ، يريد أن يسلب ما معه من المال ، ولم يكن لدى التاجر المسروقة بضاعته بينة يقيم بها حجته على غريمه .
حيلة القاضي لكشف الخائن :
ولكن القاضي كان ذكيًا ، فأدرك خلال الحديث أن التهمة صحيحة ، فصمم على أن يسير المسألة بالحيلة والدهاء ، فأمر الرجلين بالانصراف ، من أمامه حتى إذا ما بعدا عنه قيد قصبة ، صاح عليهما : يا جمّال ؟.. فالتفت ذلك الخئون المتنكر ، وقال مَهيَم ( أي نعم) ،
فقامت عليه تلك الحجة البالغة ، وأجبر على رد المال لصاحبه ، ونال شديد العقاب ، جزاء ما اقترف من الخيانة والعدوان .
آيات من كتاب الله الكريم عن كراهة الخيانة في الإسلام :
وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم : إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ..صدق الله العظيم . الآية 58 من سورة الأنفال ، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم : وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ .. صدق الله العظيم . الآية 27 من سورة الأنفال ..
وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم : إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ..صدق الله العظيم . الآية 38 من سورة الحج ، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم : وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ .. صدق الله العظيم ، الآية 52 من سورة يوسف ..
جزاء الغش :
ويروى أن شخصًا كان له بقرة ، وكان يخلط لبنها بالماء ويبيعه ، فجاء السيل في واد ، وهي واقفة ترعى فأغرقها ، فصار صاحبها يبكي عليها ، فقال له أولاده : يا أبانا لا تحزن ، فإن المياه التي كنا نخلظها بلبنها اجتمعت فأغرقتها!.. وهذا نتيجة غشنا ، لأن من يأخذ شيئًا قليلاً بغير حق ، يضيع الله عليه شيئًا من نعمه ، فندم الرجل وتاب إلى الله .
وقال : أشهد الله وأشهدكم ، يا أبنائي أني لن أغش بعد اليوم أبدًا ، خوفًا من تحذير النبي صلّ الله عليه وسلم .. فعن أبي هريرة رضي عنه أن النبي صلّ الله عليه وسلم قال : (من حمل علينا السلاح فليس منا من غشنا فليس منا ) صدق رسول الله صلّ الله عليه وسلم .. رواه مسلم