حدّث واقد بن أبي مسلم ، وقال : كان لي صديقان هاشمي وتميمي ، وكنا في الصداقة كنفس واحدة ، فنالتني في بعض السنين ضيقة عظيمة ، فقال لي امرأتي : يا هذا ترى العيد قد حضر وليس لنا شيء نعيد به ، أما نحن فنستطيع الصبر على الشدة ، وأما الأولاد فلا ، لأنهم يرون أولاد جيراننا ومعارفنا ، وقد تزينوا بالملابس الجديدة ، وهم فرحون بما اشتراه لهم أهلهم ، فتقطع قلبي بكلامها ، لأني رأيته صوابًا .

كيس الدنانير والأصدقاء الثلاثة :
فكتبت إلى صديقي الهاشمي ، ووصفت له حالي ، وسألته أن يسعفني بما يمكنه من المال ، فأنفذ لي كيسًا فيه ثلاثون دينارًا ، فلم أكد أتسلمه حتى كتب لي صديقي التميمي يشكو إليّ مثل ما شكوت أنا إلى صديقي الهاشمي ، فأرسلت إليه الكيس على حاله ، وبقيت في بيتي حيران لا أدري ماذا أفعل؟!.

قسمة المال :
فبينما أنا كذلك ، إذ دخّل عليّ الصديقان ، وبيد الهاشمي الكيس ، فدعوتهما إلى الجلوس فجلسا ، ثم قال لي الهاشمي ، وقد علم ما جرى : يا صاح ، حيث أننا كلنا في ضيقة ، وليس لثلاثتنا غير هذا المال ، فهلم نقتسمه ، ثم إنه فتح الكيس ، وقسّم الدنانير ثلاثة أقسام ، كلُ واحد منا أخذ حصته ، وتفرقنا .

الأصدقاء الثلاثة والخليفة المأمون :
وبعد أياك اتصلت قصتنا للخليفة المأمون ، فاستدعانا وأثنى على ما فعلنا ، وأمر لكل منا بألف دينار .

الأنصار والمهاجرين :
سبحان الله ! قصة هؤلاء الثلاثة تذكِرنا بقصة الأنصار أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم ، الذين آووا إخوانهم المهاجرين وآثروهم على أنفسهم وعيالهم ، وأهليهم والذين نزل فيهم ، قوله سبحانه وتعالى ، في كتابه الكريم (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) صدق الله العظيم .. الآية 9 من سورة الحشر .

صاحبك عملك :
ويُحكى أن رجلاً ، كان له ثلاث أصحاب ملازمون في صحبته ، بلا ارتياب ،وكان يميل إلى اثنين منهم ، ولا يركن إلى الثالث إلا قليلاً ، مع أنه كان حسن الطوّية خالص النية ، فاتفق له في يوم من الأيام أنه اتهم بتهمة جسيمة ، وطلب إلى المحكمة ، وهو في الواقع ونفس الأمر برئ ، فأخبر أصحابه بهذه العبارة ، وسألهم أن يذهب أحد منهم معه إلى المحكمة ويشهد له لينجيه من الحاكم ، لأنه كان شديد الغضب عليه .

عند ذلك اعتذر أحدهم ، وقال : إنه يتعذر عليّ الانتقال لكثرة ما عندي من الأشغال ، وذهب معه الثاني حتى بلغ باب المحكمة ، ثم أحجم عن الدخول معه خوفًا من أن يغضب عليه الحاكم .

وأما الثالث الذي كان قليل الوثوق به فإنه لم يتأخر عن الدخول معه ، فلما مثل بين يدي الحاكم تقدم وشهد صاحبه ، فقبل الحاكم شهادته وعطف قلبه على صاحبه ، وبرّأ ساحته وأطلق سبيله .

والمال والعشيرة والعمل :
فالمراد بالأصحاب الثلاثة في هذه الحكاية : المال والبنون ، والأعمال ، فإن لكل إنسان في هذه الدنيا أصحابًا ثلاثة : ماله وعشيرته وأعماله.. فإذا قبضت روحه وحضر أما الحاكم العادل ، تركته أمواله التي هي أعز أحبابه ، وأما عشيرته وأخلاؤه فإنهم يذهبون معه إلى باب القبر ، ثم يتركونه ويرجعون إلى منازلهم ، وأما الأعمال التي كان لا يعرف ما يترتب عليها من الثواب الآجل ، فإنها لا تفارقه إلى أن يقف بين يدي الله تعالى ، وتشهد لصاحبها لا عليه فيشمله الله برحمته ويدخله فسيح جناته .

حديث رسول الله عن العمل الصاحب :
فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( يَتبَع الميّتَ اثنان ويبقى معه واحد ، يَتبَعُهُ أهلُهُ ومالُهُ وعملُهُ ، فيرجعُ أهلُهُ ، ومالُهُ ، ويبقى عملُه). صدق رسول الله صلّ الله عليه وسلم.

By Lars