أضاءت الصحابيات الجليلات الدنيا بنور الإيمان والتقى ، فكانت قلوبهن تشع حبًا لله تعالى ولرسوله المصطفى صلّ الله عليه وسلم ، وكانت الصحابية النوار بنت مالك الأنصارية رضي الله عنها واحدة من هؤلاء الصحابيات المؤمنات ، والتي أقبلت بقلبها على حفظ كتاب الله تعالى ، كما أنها روت بعض الأحاديث الشريفة عن رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وتشرفت بطول بيتها الذي كان الأطول حول المسجد ، وهو ما جعل بلال يؤذن فوقه .
نسبها وإسلامها :
هي الصحابية النوار بنت مالك بن صِرْمَة بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم إلى بني عديّ بن النجار ، وقد تزوجت من ثابت بن الضحاك بن زيد ، فرُرقت منه بولدين وهما زيد بن ثابت ويزيد بن ثابت ، ومات زوجها يوم بعاث حينما كان عمر زيد حينها ستة أعوام ، لتتزوج فيما بعد من عمارة بن حزم وهو واحدًا من أهل بدر ، والذي شهد كل المشاهد مع الرسول صلّ الله عليه وسلم .
وذُكر أن النوار رضي الله عنها قد دخلت الإسلام قبل مقدم الرسول صلّ الله عليه وسلم إلى يثرب ، فصدق إيمانها وسعت إلى حفظ القرآن الكريم ، كما عملت على تغذية زيد من الإيمان وحفظ كتاب الله أيضًا ، وقد ذاق قلب زيد ابنها محبة رسول الله صلّ الله عليه وسلم منذ اللحظة الأولى التي التقاه فيها ، فكان لقاء الكرم والمودة وحسن الضيافة .
تقديم أول هدية إلى النبي في يثرب :
تميزت الصحابية النوار رضي الله عنها بكرمها وشهامتها وحكمتها ، فكانت هي صاحبة أول هدية إلى الرسول صلّ الله عليه وسلم حينما نزل في دار أبي أيوب الأنصاري ، حيث أرسلت بها ابنها زيد والتي تحدث عنها قائلًا : أول هدية دخلت على رسول الله في بيت أبي أيوب ؛ قصعة أرسلتني أمي بها إليه ، فيها خبز مثرود بسمن ولبن ، فوضعتها بين يديه وقلت : يا رسول الله ؛ أرسلت بهذه القصعة أمي ، فقال رسول الله :”بارك الله فيك وفي أمك”.
أم عظيمة :
كانت الصحابية النوار رضي الله عنها تسعى إلى تعليم زيد قيم الدين الإسلامي ، فكانت تدفعه إلى رسول الله صلّ الله عليه وسلم من أجل أن يتعلم منه القرآن الكريم بشكل مباشر ، كما كانت تدفعه إلى الجهاد في سبيل الله ، حتى أخرجت من تحت أيديها زيدًا بمكانته وعلمه ، فكانت نعم الأم العظيمة التي أحسنت التربية الصالحة .
أحد مواقفها :
ومن أبرز مواقفها حينما جيء برأس الحسين عندها ، حيث قالت في ذلك : أقبل خولي برأس الحسين فوضعه تحت إجانة (إناء لغسل الثياب) في الدار ، ثم دخل البيت فأوى إلى فراشه ، فقلت له: ما الخبر ما عندك؟ قال: جئتك بغنى الدهر ، هذا رأس الحسين معك في الدار ” ، حينها قالت :” ويلك! جاء الناس بالذهب والفضة ، وجئت برأس ابن رسول الله ، لا والله لا يجمع رأسي ورأسك بيت أبدًا”.
ثم أكملت النوار حديثها عن هذا الأمر بقولها : “فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار ، فدعا الأسدية فأدخلها إليه ، وجلست أنظر ، قالت: “فوالله ما زلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الإجابة ، ورأيت طيرًا بيضًا ترفرف حولها” ثم أكملت : “فلما أصبح غدا بالرأس إلى عبيد الله بن زياد” ، وقد توفيت النوار رضي الله عنها في حياة ابنها زيد .