لقد تحدث عن نفسه قائلًا :”قتلتُ بحريتي هذه خير الناس وشر الناس” ، وهو يقصد بخير الناس حمزة بن عبدالمطلب ؛ بينما شر الناس هو مسيلمة الكذاب ، حيث أنه تحول من الكفر ومحاربة الإسلام إلى الإيمان بالله تعالى ومحاربة أعداء الإسلام ، إنه الصحابي الجليل وحشي بن حرب الحبشي .
وحشي قبل دخوله الإسلام :
الصحابي وحشي بن حرب كان مولى بني نوفل ، وقد ذُكر أنه كان مولى طعيمة بن عدي ، ويُكنى باسم “أبي دسمة” وقيل أيضًا “أبي حرب” ، لقد كان عبدًا حبشيًا من الموالي عند العرب ، وقد تحدث عن نفسه قائلًا :”كنت غلامًا لجبير بن مطعم ، وكان عمه طعيمة بن عدي قد قُتل يوم بدر ، فلما سارت قريش إلى أحد قال لي جبير : إن قتلت حمزة بن محمد بعمي فأنت عتيق..”.
وأكمل وحشي حديثه عما فعله قائلًا :”فخرجت مع الناس حين خرجوا إلى أحد ، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره حتى رأيته مثل الجمل الأورق في عرض الناس يهز الناس بسيفه هذا ما يقوم له شيء ، فوالله إني لأريده فاستترت منه بشجرة أو بحجر ، ليدنو مني وتقدمني إليه سباع بن عبدالعزي ، فلما رآه حمزة قال : إلى يا ابن مقطعة البظور ؛ وكانت أمه ختانة بمكة ، فوالله لكأن ما أخطأ رأسه ، فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه ؛ فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه ، وخليت بينه وبينها حتى مات ، ثم أتيته وأخذت حربتي ثم رجعت إلى العسكر ، ولم يكن لي بغيره حاجة”.
قصة إسلامه :
روى الصحابي وحشي بن حرب قصة دخوله الإسلام ، حيث أنه قال :”فلما افتتح رسول الله مكة هربت إلى الطائف ، فلما خرج وفد الطائف ليسلموا ضاقت على الأرض بما رحبت وقلت بالشام أو اليمن أو بعض البلاد فولله إني لفي ذلك من همي إذ قال رجل : والله إن يقتل -أي لا يقتل- محمدًا أحدًا يدخل في دينه ، فخرجت حتى قدمت المدينة على رسول الله فدخلت عليه في خفة وحذر..”
ثم أكمل موقفه مع الرسول صلّ الله عليه وسلم :” ومضيت نحوه حتى صرت فوق رأسه ، وقلت أشهد أن لا إله إلا الله ، فلما سمع الشهادتين رفع رأسه إلي ، فلما عرفني ردَّ بصره عنى ، وقال: “أوحشي أنت” قلت : نعم يا رسول الله فقال : “اقعد وحدثني كيف قتلت حمزة؟” فقعدت فحدثته خبره ، فلما فرغت من حديثى أشاح بوجهه وقال: “ويحك يا وحشي ، غيِّب عنى وجهك ، فلا أرينك بعد اليوم”.
وقد أسلم وحشي وحسن إسلامه وهناك رواية أخرى تحكي عن أن الرسول صلّ الله عليه وسلم قد بعث إليه ليدخل في الإسلام ، فأرسل إليه وحشي قائلًا :”يا محمد كيف تدعوني وأنت تزعم أن من قتل أو أشرك أو زنى يلق أثاما ويضاعف الله له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ، وأنا صنعت ذلك فهل تجد لي من رخصة ؟.
وبعد ذلك نزلت الآية الكريمة التي تقول “إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا” ، فقال وحشي في ذلك : “هذا شرط جديد ولعلي لا أقدر على هذا” ، ثم نزل قول الله تعالى “إنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا” ، فرد وحشي على هذا بقوله :”يا محمد لا أدري أن يغفر الله لي أم لا ؟” ، لتنزل الآية الكريمة التي تقول “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”.
ومما رواه وحشي عن الرسول صلّ الله عليه وسلم قوله : أن أصحابه قالوا : يا رسول إنا نأكل ولا نشبع ، قال : “فلعلكم تفترقون” قالوا : نعم ، قال: “فاجتمعوا على طعامكم ، واذكروا اسم الله عليه ، يبارك لكم فيه”.
وفاته : لقد شهد الصحابي وحشي بن حرب رضي الله عنه اليرموك ، ثم سكن حمص وتوفي بها.