قصة اليوم تحكى عن مواقف في حياة التابعي محمد بن إدريس الشافعي ، الذي كان يتمتع بالذكاء والفطنة والورع ، حيث اشتهر بين قومه بهذه الصفات ، التي جعلته إمامًا وعالمًا جليلًا ، ففي العراق علا نجم الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، وعلم الجميع قدره حيث وصل صيته إلى الخليفة هارون الرشيد .
ولأن هارون الرشيد كان من تلاميذ الإمام مالك بن أنس أستاذ الشافعي ، فقد كان حريص على أن ينهل ابنه من نفس النبع الذي نهل منه نبع العلم ، وهكذا أرسل ابنه للإمام الشافعي ، وكان الدرس الذي أعطاه الشافعي لابن الخليفة درسًا عجيبًا .
تبدأ القصة بدخول الغلام على الإمام الشافعي قائلًا: السلام عليكم يا إمام فرد الإمام قائلًا: وعليكم السلام ورحمة الله ، وبعدها بدأ الإمام الشافعي درسه مع ابن الخليفة ، ولكن بشيء عجيب فقد ضرب ابن الخليفة على وجهة ، صدم الطفل حينها وقال : ما هذا ؟
رد عليه الإمام قائلًا: لقد انتهيت هذا درسك الأول ، يمكنك الانصراف فعاد الابن إلى أبيه متعجبًا وحزينًا ، فماذا كان رد فعل الأب الخليفة عندما سمع ما قصه ابنه عليه ؟ لقد قال الخليفة أنا لا أصدق لابد أنك فعلت شيئًا أغضبه ، نفى الابن للأب أنه قد يكون فعل شيئًا للإمام ، وقال : أنا لم أنطق بكلمة واحدة .
فقال الأب ربما سألك يا بني ولم تنطق فضربك ، قال الابن : لا لم يسألني إلا سؤال ، فقد نظر إليّ وسألني إن كنت ابن الخليفة ثم ضربني دون سبب ، حينها قال الخليفة : هذا أمرٌ لا يمكن السكوت عليه ، واقترح الابن أن يأتي الخليفة بالأمام ويسأله عن ذلك الأمر ولماذا فعل ذلك ؟ قال : لا يا بني لقد تعلمت من معلمي مالك بن أنس أن للعلماء قدرهم ، لابد أن الإمام الشافعي فعل ذلك لسبب ، وبعدها ذهب الخليفة إلى بيت الإمام ، فقال الخليفة للإمام : أتعرف السبب الذي أتى بى إلى هنا ؟
فرد الإمام : نعم لقد توقعت هذه الزيارة وانتظرتها ، فقال الخليفة : هل أغضبك ابني فضربته ؟ قال الإمام : لم يفعل شيئًا إنه فتى حسن الأخلاق ، هنا قال الخليفة : أنا متأكد أنك لم تفعل هذا إلا لحكمة ، هل لي أن أعرفها ؟ فنادى الإمام على ابن الخليفة قائلًا: تعالى يا بني إلى جنبي ، فجلس الفتى مطيعًا لأمر الإمام .
فقال الإمام للفتى الصغير : لقد ظلمتك وضربتك دون سبب ، رد الفتى : بلى ، وأريد أن أعرف السبب ؟ قال الإمام الشافعي : أنت ابن الخليفة وعندما تكبر سوف تصبح ، خليفة إن شاء الله ، ولقد ضربتك حتى تعرف معنى الظلم فإذا كبرت لا تظلم أحد ، وهذا أول درس لك عندي ، فقال الخليفة هارون : وأهم درسًا يا إمام ، لقد جعل هذا الذكاء الذي اشتهر به الإمام الشافعي محل تقدير دائم .
وبرغم حب أهل العراق للشافعي ورغبتهم في بقاء الإمام بينهم ، إلا أنه كان قد قرر إلى الانتقال إلى مكانًا جديدًا ، وبالفعل انتقل الإمام الشافعي إلى مصر واشتهر بعلمه وبلاغته وتواضعه وذكائه ، ويُروى أن الطلاب في مجلسه ، كان يزيدون عن ثلاثمائة طالب ، فقد عَلِم الكثير أن بين أيديهم كنز لا يمكن أن يفوتوه ، وعليهم أن ينهلوا من فيض علمه الغزير ، رحم الله الإمام وكل من انتفع بعلمه ونفع به غيره .