يُحكى أن القائد العربي / صلاح الدين الأيوبي ، أرسل طبيبًا ومعه بعض الأدوية لمعالجة الملك ، ريتشارد قلب الأسد ، من مرض الحمى الشديد الذي أصابه ، فلما وصل الطبيب طلب من الحاجب لإذن لمقابلة الملك ، فقال له : إنه نائم ، ولا يمكنني إيقاظه ، ثم سأله عن سبب مجيئه .
حاجب ريتشارد قلب الأسد وسوء المعاملة :
فأجابه : إن السلطان صلاح الدين الأيوبي أرسلني لمعالجته ، فقال : أطبيب العدو يشفي الملك من السّقام ؟ ارجع أيها الطبيب بسلام ، ولو جاء صلاح الدين نفسه ما أيقظت الملك ، فكيف أوقظه لأجل رسوله .
غضب طبيب صلاح الدين على حاجب الملك ريتشارد :
فأجابه الطبيب : أيها الحاجب ، اعلم بأن القوم لم يعجزوا عن قتالكم ولكنهم كرام أخلاق ، يريدون نفعكم ، وشفاء مليككم ، فادخل على مولاك واستأذن لي بالدخول ، عسى أن يكون شفاؤه على يدي ، ونجاحي على يديه ، عجبًا إني أرشد شفاء ملككم وأنتم لا تريدون ، إن ذلك لعار عظيم عليكم ، ولاشك أنكم تخافون ، فأنتم إذن تستحقون النعمة ، وقد أخطأ مولاي صلاح الدين في أنه أرسلني إليكم .
ريتشارد قلب الأسد وسماع الحديث :
فقال له الحاجب : نحن لا نخاف على نفوسنا ، ولكننا نخاف على ملوكنا ، أكثر مما نخاف على رءوسنا ، فسمه الملك ريتشارد هذا الحديث … وقال : من الذي يتكلم ؟ أنت تريد الحاجب أن يوقظني لأتعذب وأتألم .
كرم القائد العربي :
قال له : لا يا مولاي ، بل هذا طبيب أرسله السلطان إليك ، وقد أمضى مدة يريد أن يراك ، وأنا أمنعه من الدخول عليك ، قال الملك : أيرسل إليّ صلاح الدين ثم تمنعه من الدخول ؟!.. ادخل أيها الطبيب إلى هنا ، تعالى أيها الرسول ، قد بلغني عن سلطانكم كل مروءة وشهامة ، فهو يستحق كل إكرام ، ويستحق رسوله كل كرامة ، أنت تشفيني من دائي ، وأنت طبيب عدوي الألد ، هل فعل هذا الفعل سلطان من قبل ؟!. وهل بلغت المروءة إلى هذا الحد .
موت الرجال الأبطال :
ولكن من يضمن لي أن صادق في دعواك ؟! .. قال الطبيب : يضمن لك ذلك قومي إليك ، وأنا عدوك تخشاني وأخشاك ، وأنت تعلم أن مولاي صلاح الدين صادق لا يكذب ، وأنه لا يخشى قتالك ، ولا يحتاج يسقيك السم في الشراب ، ولكنه يريد أن تشفى ، لتكون خصمه في النزال ، لأنه يأسف عليك أن تموت على فراشك ، ولا تموت في النزال موت الرجال الأبطال.
فلا يطالب أحد بالدم :
قال الملك : صدقت أيها الطبيب ، ذلك ما قاله السلطان لديك ، تقدم وافعل ما تريد أيها الطبيب ، ليس ذلك حال ما يسم الأمراء .. ثم قال لحاجبه : إذا شفيت كافأت هذا الرجل ، وإن مت فلا يطالبه أحد بدمي ، الطبيب : بعد أن هيأ الدواء قدمه للملك ، وقال له : اشرب يا مولاي ، هذه الكأس من الدواء ، والله الشافي من كل داء .
كرم العرب وقادة العرب :
فانظر إلى كرم القُواد العرب ، حتى مع عدوهم ، وهذا إن دلّ فإنما يدل على مروءة العرب ، وشجاعتهم وشهامتهم ونبل أخلاقهم ، ولذلك استحقوا بجدارة أن يكونوا حملةً للإسلام ورايات الجهاد في سبيل الله .