يُروى أنه قد أسرّ معاوية إلى ابن أخيه ، عثمان بن عتبة بن أبي سفيان حديثًا ، فأحدثك به ؟ قال : لا ، إن من كتم حديثه كان الخيار في يده ، ومن أظهره كان الخيار عليه ، فلا تجعل نفسك مملوكًا ، بعد أن كنت مالكًا .
فقلت : أيدخل هذا بين الرجل وابنه ؟ فقال : لا ، ولكن أكره أن تذلل لسانك بإفشاء السر ، قال : فرجعت إلى معاوية فذكرت ذلك له ، فقال له معاوية : أعتقك أخي من رق الخطأ .
كاتم السر الأمين :
ويروى أيضًا ، أنه حاصر الفرنسيون إحدى المدن في سنة 1807م ، وأحاطوا بها من كل جهة ، ولكن كانوا غير عارفين بمدخل المدينة ، طلبوا من شيخ قرية صغيرة ، بجوارها أن يبوح لهم بالسر ، وأن يدلهم على الأماكن والحدود ، ويهديهم سواء السبيل .
فأبى الشيخ ولم يجبهم إلى طلبهم ، فهددوه بالقتل ، فقال لهم : إني أقسمت لأميري يمين الطاعة والأمانة ، فكيف أحنث في يميني ، وأخون أميري وبلادي ، أبوح لكم بالسر ، وأدلكم على مسالك المدينة للاستيلاء عليها ؟ .. هيّا اقتلوني فأموت عن طيب خاطر ، لأنه خير لي أن أموت أمينًا ، مقيمًا على عهودي مع أميري ، من أن أعيش خائنًا ، وإني أفضل أن أفدي أميري وشعبي وبلادي بحياتي .
تعجب الأعداء من أمانة الشيخ :
فتعجب الأعداء من أمانة هذا الرجل ، وتركوه حيًا بدون أن يمسوه بضرر ولا إهانة ، وهكذا تكون الأمانة ، والمحافظة على سر البلاد بعدم الخيانة تمسكًا ، بقول النبي الأمين ، صل الله عليه وسلم : ( وأعوذ بك من الخيانة ، فإنها بئست البطانة ).
من أفشى سره أضاع عهده :
ويحكى أيضًا أنه لما ولّى عمر بن الخطاب ( قدامة بن مظعون ) بدل المغيرة ، أمرَه ألا يخبر أحدَا ، فلم يكن له زاد ، فتوجهت امرأته إلى دار المغيرة ، فقالت : أقرضونا زاد الراكب ، فإن أمير المؤمنين ولّى زوجي الكوفة ، فأخبرت امرأة المغيرة زوجها .
اذهب وخذ منه العهد :
فجاء إلى عمر واستأذن عليه ، وقال : يا أمير المؤمنين ولّيت (قدامة) بالكوفة وهو رجل قوي أمين ؟ فقال : ومن أخبرك ؟ قال : نساء المدينة يتحدثن به .. فقال : اذهب وخذ منه العهد .
سرقة الحديث كسرقة الأشياء :
ويحكي أيضًا ، أنه كان أحد الأولاد يأتي من مدرسته كل يوم ، فيضيع وقته في اللعب دون أن ينتبه إلى دروسه ، وكان أمام البيت المقيم به بيت آخر تسكنه أسرة معتبرة ، فكان عند فراغه من اللعب يقف وراء البيت يسمع حديثهم !.
لقد نلت جزاءك :
وعندما تراه أمه تنبهه قائلة : ليس من اللائق أن تسترق حديث غيرك ، فإن سرقة الحديث كسرقة الأشياء ، فكان لا يصغى إلى نصيحة أمه ، وفي ذات يوم رأى باب الجيران مغلقًا ، فمد يده ليفتحه ، ويتمكن من سماع الحديث ، فارتد الباب على أصابعه ، فصرخ من الوجع ، فسمعت أمه ، فأسرعت إليه ، وقالت : لقد نلت جزاءك فلا تعد إلى ذلك مرةً ثانية .