بعث الله سبحانه وتعالى ، عددًا من العلماء المسلمين لتلك الأمة ، كانوا قد اهتموا بنشر الدعوة الإسلامية ، والسعي في شرح وتفسير تعاليم الدين الإسلامي ، سواء أكان كتاب الله الكريم ، أم سنة نبيه صل الله عليه وسلم .
وهذ هو ما تناقلته كتب التاريخ ، والسير الذاتية لعلماء المسلمين ، والذين أفضلهم هم الصحابة ، رضي الله عنهم جميعًا ، فهم قد تلقّوا العلم والفقه ، من فم النبي محمد ، صل الله عليه وسلم ، واقتفوا أثره وساروا على خطاه ، حتى أتى بعدهم من عرفوا بالتابعين ، والذين ساروا على نهج الصحابة .
ومن أبرز من ذُكروا من التابعين ، العالم الجليل سعيد بن المسيب ، رضي الله عنه ، وهذه هي قصته وأبرز سماته الشخصية ومواقف من حياته .
سعيد بن المسيب :
يُكنى بالإمام سعيد بن المسيّب المخزومي القرشي ، وقد وُلد في المدينة المنورة بالمملكة ، في العام الثاني أثناء خلافة عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، عاش المسيب طيلة حياته في المدينة المنورة ، حيث ولد ودرس وتعلم فيها ، وتفقه في الدين ، حتى أنه درّس لتلاميذه من طلبة العلم ، داخل المدينة أيضًا ، وكذلك مات فيها .
كان بن المسيب قد حباه المولى عز وجل ، بصيرة مع علم نافع غزير ، إلى جانب أنه كانت يتصف بالورع والزهد ، في ملذات الدنيا وشهواتها ، فكان يطيل الصوم ، ولا يصلي الفروض إلا في جماعة داخل المسجد ، وقيل أن سعيد بن المسيب ، قد شهد أربعين حجة طيلة حياته .
ولم تقتصر براعة المسيب ، في الأمور الدينية والفقهية فقط ، وإنما أكرمه المولى عز وجل ، بالنبوغ في عدد من العلوم الأخرى ، كان أبرزها علم تفسير الرؤى والأحلام ، فكان كل من يعرفونه يستعينون به في تفسير رؤياهم ، وكان من بينها رؤيا شاهد فيها عبد الله بن الزّبير ، أنه يطرح الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أرضًا ، ثم يضع عليه أربع أوتاد ، فكان التفسير بأن الخليفة سوف يقتل بن الزبير ، ثم يأتي من خلفه أربع أبناء يتولون الخلافة .
علاقة ابن المسيّب بالسّلطة الحاكمة :
عُرف عن علاقة بن المسيب ، بالسلطة الحاكمة ، أنها علاقة متوترة ، ليس فيها ود أو تواصل ، نظرًا لما شهدته الخلافة الإسلامية ، من تجاوزات كُثر للخلفاء ، ممن تولوا الحكم ، ولم يكن المسيب راضٍ عنها ، مما جعله يواجه العقاب لأكثر من مرة ، بسبب معارضته لتصرفات الخلفاء .
فعلى سبيل المثال ؛ كان المسيب قد رفض أن يبايع ، أيًا من أبناء عبد الملك بن مروان ، عقب خلافته ، كما أن الخليفة عبد الملك بن مروان ، قد طلب من المسيب أن يزوجه ابنته ، إلا أن المسيب رفض تلك الزيجة ، وزوجها لأحد تلاميذه ، مقبل درهمين فقط مهرًا لها .
محنتي سعيد بن المسيب :
عانى التابع الجليل ، سعيد بن المسيب من محنتين كبيرتين في حياته ، كانت المحنة الأولى ؛ عندما لجأ عبد الله بن الزبير ، إلى جابر بن الأسود بن عوف الزهري ، ودفعه في المدينة لدعوة الناس ، إلى مبايعة الزبير ، فقال سعيد بن المسيب لا ، حتى يجتمع الناس ، فجلده جابر ستين سوطًا ، وبلغ الأمر للزبير فقال لجابر دع بن المسيب .
وكانت محنته الثانية ، إثر وفاة عبد العزيز بن مروان ، فعقد عبد الملك بن مروان ، إلى ولديه سليمان والوليد بالعهد ، ودعا الناس لأخذ بيعتهم ، في هذا الوقت ، قام هشام بن إسماعيل المخزومي ، والي المدينة المنورة حينذاك ، بدعوة بن المسيب ، لمبايعة ابني عبدالملك بن مروان ، فرفض بن المسيب ، فضربه هشام ستين سوطًا ، وطاف به المدينة ثم سجنه .
وعندما علم عبدالملك بن مروان ، أرسل كتابًا إلى هشام ، يلومه على ما فعل بحق بن المسيب ، وأمره بالاعتذار له وإطلاق سراحه ، فلما علم بن المسيب بالكتاب ، قال الله بيني وبين من ظلمني .
وفاة سعيد بن المسيب :
توفى سعيد بن المسيب ، بالمدينة المنورة بالمملكة ، عام 94هـ ، إبان فترة خلافة الوليد بن عبد الملك ، وقد أوصى قبيل وفاته ، بألا يحملونه على قطيفة حمراء ، ولا يضربوا فسطاطًا على قبره ، وألا يتبعوه بنار ، وألا يؤذنوا به أحدًا .