قام الخليفة عثمان ابن عفان بتوسيع الحمى في عهده ، والحمى هو الموضع فيه كلأ يحمي من الناس أن يرعوه ، أي يمنعوه ، وقد انتقد بعض الصحابة وأهل المدينة ، والأمصار عثمان على توسيعه للحمى ، واستعرضت روايات المصادر هذه الخطوة ، من خلال معلومات عامة وغير مباشرة.
السبب الأول لقيام عثمان بن عفان بتوسيع الحمى :
والمعروف أن الأرض تحمى لسببين ، والسبب الأول هو : في سبيل الله ، فقد حمة النبي النقيع لخيل المسلمين وركابهم ، وهو أول إحماء بالقرب من المدينة ، إذ يبعد عنها نحو عشرين فرسخًا ، وحمى عمر نقيع الخضمات ، وخصصه لخيل المسلمين المعدة في سبيل الله .
السبب الثاني لقيام عثمان بن عفان بتوسيع الحمى :
والسبب الثاني ، هو أن تحمي الأرض لنعم الصدقة إلى أن توسع مواضعها وتفرق في أهلها ، فقد حمى أبو بكر الصديق الربذة لإبل الصدقة ، وحمى عمر بن الخطاب الشرف .
نهج عثمان بن عفان على سنة النبي وسياسة خليفتيه :
ونهج عثمان بن عفان نهج النبي وخلفيتيه ، فأبقى حمى النقيع خاصًا لخيل المسلمين ، وكان يحمل عليها في كل سنة خمسمائة فرس ، وألف بعير ، كما كانت الإبل ترعي بناحية الربذة في حمى لها ، إلا أنه سرعان ما زاد في إبل الصدقة بسبب زيادتها ، إذ بلغت في عهده نحو أربعين ألفًا ، ومنح بعض عماله وعددًا من الصحابة إذنًا بالإفادة منه ، مثل مروان بن الحكم ، وعبدالله بن مطيع ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعدّ بعض المؤرخين ، ممن يحملون مواقف مسبقة من الخليفة ، هذه الخطوة على سنة النبي وسياسة خليفتيه .
دفاع عثمان بن عفان عن خطوة توسيع الحمى :
والواقع أن عثمان بن عفان دافع عن خطوته هذه وبرر عمله ، فقال ( .. وإني والله ما حميت ، حمى قلبي ، والله ما حموا شيئًا لأحد ما حموا إلا غلب عليه أهل المدينة ، ثم لم يمنعوا من رعية أحدًا ، واقتصروا لصدقات المسلمين يحمونها لئلا يكون بين من يليها وبين أحد تنازع ، ثم ما منعوا ولا نحّوا منها أحدًا إلا من ساق درهمًا ، ومالي من بعير غير راحلتين ، ومالي ثاغية ولا راغية ، وإني قد وليت ، وإني أكثر العرب بعيرًا وشاءً ، فمالي اليوم شاة ولا بعير غير بعيرين لحجّي ، ..).
رواية أخرى توضح ندم من عارض عثمان بن عفان على توسيع الحمى :
وهناك إشارة إلى دفاع عثمان وندم من اتهمه في هذه القضية ، وردت في سياق المحاورة بينه وبين الوفد المصري الذي قدم إلى المدينة في عام 35 هجريًا ، الموافق 655- 666 م ، فقالوا له : (.. ادع بالمصحف ، قال : فدعا بالمصحف ، قال : فقالوا له ، افتح التاسعة ، قال : وكانوا يسمون سورة يونس التاسعة .
قال فقرأها حتى أتى على هذه الآية : بسم الله الرحمن الرحيم (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) صدق الله العظيم .. قال : فقال امضه ، نزلت في كذا وكذا .. قال : وأما الحمى فإن عمر بن الخطاب حمى الحمى قبلي لإبل الصدقة ، فلما وليت زادت إبل الصدقة فزدت في الحمى لما زاد في إبل الصدقة ..) .