كانت غزوة دومة الجندل واحدة من الغزوات التي قادها رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، حيث تحرك الجيش الإسلامي في شهر ربيع الأول من السنة الخامسة للهجرة باتجاه قبيلة قضاعة التي كانت تنزل شمال قبائل غطفان وأسد ، والتي كانت تقع في حدود قبائل الغساسنة التي كانت توالي الدولة الرومية .

وكانت دومة هي المنطقة الواقعة على بُعد 450 كيلو متر من شمال المدينة المنورة ، وقيل أنها سميت بهذا الاسم نسبةً إلى حصن قد بناه دوماء بن إسماعيل ، أما كلمة الجندل فهي تشير إلى معنى “الحجارة” ، وبذلك فإن اسم منطقة دومة الجندل يأتي بمعني “الحصن الذي بناه دوماء في منطقة مليئة بالحجارة” ، وذلك في إشارة إلى قوة ذلك الحصن وشدته .

أسباب الغزوة :
قامت بعض قبائل المشركين بالتجمع عند دومة الجندل من أجل التعرض بالأذى للقوافل العابرة هناك ، ثم التخطيط للهجوم على المدينة فيما بعد ، وقد وصلت هذه الأنباء إلى المدينة المنورة ، وكانت دومة الجندل منطقة نائية بالنسبة للمدينة المنورة ، حيث أنها وقعت على الحدود بين الشام والحجاز بمنتصف الطريق بين الخليج العربي والبحر الأحمر ، فكانت على مسيرة ستة عشر ليلة من المدينة المنورة .

امتلك المسلمون في ذلك الوقت نظرة سياسية ثاقبة وبعيدة المدى ، حيث أن موضع منطقة دومة الجندل يستدعي عدم اللوم على المسلمين إذا لم يتحركوا لصد تلك التجمعات ، ولكن المسلمين رأوا أنهم إن تركوا تلك التجمعات ؛ فإنها ستتضاعف وقد تسبب لهم أضرارًا فيما بعد ، وهو ما قد يؤدي إلى إضعاف قوتهم ، لذلك قرر المسلمون التحرك إلى الغزوة .

الخروج إلى الغزوة :
قام رسول الله صلّ الله عليه وسلم بانتداب المسلمين من أجل الخروج إلى تلك الغزوة ، وقد خرج الرسول الكريم مع ألف من أصحابه ، حيث كان يسير أثناء الليل ، بينما كانت فترة النهار للاستراحة ، وذلك حتى لا يشيع نبأ تحركهم باتجاه دومة الجندل ، وهو ما قد يؤدي إلى استعداد الأعداء أو مطاردة الجيش الإسلامي .

حينما دنا الرسول صلّ الله عليه وسلم من الأقوام المتجمعة ؛ لم يجد منهم أحدًا ، حيث أنهم قد تفرقوا وولوا مدبرين ، وقد تركوا غنائمهم وأنعامهم وماشيتهم ، حيث حصل عليها المسلمون كغنائم يسيرة ، وذلك لأنهم كانوا يخشون من قوة المسلمين ، وقد تمكنت القوات الإسلامية من أسر أحدهم قبل أن يفر مثلهم .

قام المسلمون بإحضار الأسير إلى رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، حيث سأله الرسول الكريم عن القبائل التي كانت متجمعة في تلك المنطقة ، فأجابه الأسير قائلًا :”هربوا حينما سمعوا بأنك أخذت نعمهم” ، وحينها عرض عليه النبي أن يدخل في الدين الإسلامي ، فوافق الأسير ودخل الإسلام ، وأقام مع المسلمين أيامًا وبث السرايا ، ثم قرر المسلمون العودة إلى المدينة المنورة .

وأثناء عودة المسلمين استودع الرسول صلّ الله عليه وسلم عيينة بن حصن الفزاري ، والذي استأذن الرسول أن يرعى غنمه وإبله في أرض تقع بالقرب من المدينة المنورة ، حيث تقع تلك الأرض على بُعد ستة وثلاثين ميلًا من المدينة المنورة ، وعاد المسلمون إلى المدينة بعد هذه الغزوة الصامتة .

كانت غزوة دومة الجندل بمثابة درس تربوي هادئ ، حيث تدرب فيها المسلمون على العديد من الأشياء الصعبة ومنها المسير إلى مسافات طويلة ، وكأنهم يعدون أنفسهم لغزوات قادمة ، وانتهت المعركة التي لم تبدأ بسبب خوف المشركين ، فعاد المسلمون مرفوعي الرأس شديدي الهيبة .

By Lars