ان الحق سبحانه وتعالى جلّ شأنه ، بيّن لآدم الميزات التي سيحصل عليها في المكان الذي سيقيم فيه ، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ ) صدق الله العظيم . الآيتان 118، 119 من سورة طه .
الجنة وثمار الشجرة :
أي في هذه الجنة طعام يكفيك وكساء يسترك ، وماء تجده دائمًا فلا يصيبك الظمأ ، وليس فيها تعب ، ثمار هذه الجنة مباح لك ، بل كل ما فيها مباح لك ، ماعدا شجرة واحدة لا تقترب منها ، ولا تأكل من ثمارها .
أول مناهج السماء :
إن هذا هو منهج الله في الأرض ، إنه جل جلاله يبيح لنا الكثير جدًا ، ويحرم علينا أقل القليل ، وحذر الله سبحانه وتعالى آدم وحواء ، من عدوهما إبليس ، فقال الله سبحانه تعالى ، في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ ) صدق الله العظيم .. الآية 117من سورة طه.
وكان هذا التحذير كافيًا ، ليتنبه إلى عداوة إبليس ، فلا يستمع إلى وسوسته ، ولا يصدق أكاذيبه ، لقد وفر الحق جل جلاله لآدم كل مقاومات الحياة من غذاء ، يعطيه ما يحتاجه جسده بدون فضلات ، فالله سبحانه وتعالى يغذي الجنين في بطن أمه بالقدر الذي ينميه ، ولا تخرج منه الفضلات ، لأن الغذاء على قدر النمو ، وكان غذاء آدم في الجنة على قدر نموه .
ليست جنة الخلد :
والجنة التي عاش فيها آدم ليست جنة الخلد ، لأن جنة الخلد لا تأتي إلا بعد الحياة الدنيا ، فهي جزاء لإتباع منهج الله في الحياة الدنيا ، وأنها ليست سابقة للحياة الدنيا ، ولكنها لاحقة لها وتأتي بعدها.
وبناء على ذلك فلجنة التي عاش فيها آدم ، هي مكان فيه كل ما تحتاجه حياته ، وما تتطلبه ، ولابد أن نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى ، قال لآدم وحواء : ( ولا تقربا هذه الشجرة ) ولم يقل ( ولا تأكلا من هذه الشجرة ) .. لأن الله يريد أن يحمي آدم وذريته من إغراء المعصية ، فلو أنه جل جلاله قال لا تأكلا ، لكان قد أباح لآدم وحواء ان يقتربا من الشجرة ، ويجلسا إلى جوراها ، ويتأملا ثمارها ، وحينئذ كان يغريهما شكل الثمار ، أو لونها أو رائحتها فيأكلان منها .
حماية الله لآدم وذريته :
ولكن الحق تبارك وتعالى ، أراد أن يحمي آدم نفسه ، من الإغراء الذي يمكن أن يتعرض له ، وقد لا تقوى نفسه عليه ، هذه الحماية التي أراد الله أن يوفرها لآدم وذريته من بعده ، هي الحماية الحقيقية من الوقوع في المعصية ، لأنك إذا اقتربت من شيء حرمه الله ، تميل نفسك إليه ، وربما دفعك هذا القرب على اقترافه .
الاجتناب أقوى من التحريم :
ونلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى ، يطلب منا ألا نقترب من قمم المعاصي ، فيقول : بسم الله الرحمن الرحيم (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْۖ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) صدق الله العظيم .
ولم يقل تبارك وتعالى ، لا تعبدون الأوثان ، فلو قالها لكان مباحًا لنا أن نذهب إلى الأماكن ، التي تعبد فيها الأصنام وأن نجلس فيها ، فإذا فعلنا ذلك ، ربما أوقعنا هذا الجلوس في عبادة الأصنام ، فيقول سبحانه وتعالى في كتابه ، بسم الله الرحمن الرحيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) صدق الله العظيم .. الآية 90 من سورة المائدة.
أي لا تقربوا أماكنه والغريب أنك تجد بعض الناس ، يحاول أن يجادلك في أن الله سبحانه وتعالى لم يحرم الخمر ، ويقول لك ائتني بآية من القرآن الكريم يقول فيها الله تبارك وتعالى حرمت عليكم الخمر .
ونقول لأمثال هؤلاء المشككين : إن الأمر الذي ورد بالاجتناب أقوى من التحريم ، فلو أن الله جل جلاله قال حرمت عليكم الخمر ، لكان المحرم فقط هو شرب الخمر ، وكنا في هذه الحالة نصنعها ونتاجر فيها ، ونعد الأماكن التي يتم فيها تناولها ، ونخدم شاربيها ونجلس معهم ، فمادمن لا نشرب الخمر ، وما دام قد نزل فيها أمر تحريم فقط .
فلنا أن نفعل كل هذا ، ولكن الاجتناب حرم أن نقترب أساسًا من الأماكن التي يتناول فيها الخمر ، أو نصنعها أو نتاجر فيها ونجالس الذين يشربونها ، فالاجتناب أقوى من التحريم ، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى طلب من آدم وزوجته ألا يقتربا من الشجرة المحرمة ، وإلا يكونان قد ظلما نفسيهما.