لقد جاءت رسالة الرسول صلّ الله عليه وسلم بالدين الإسلامي رحمة إلى البشرية ، حيث كان يدعو كافة الناس إلى طريق الهداية وهو الإيمان بالله عز وجل ورسله وكتبه السماوية ، وقد بدأ النبي دعوته إلى المقربين منه ثم توسعت دعوته لتشمل العالم بأسره ، وكان يسعى الرسول صلّ الله عليه وسلم إلى الوصول إلى البشرية جمعاء .
وقد عانى الرسول صلّ الله عليه وسلم من التعذيب من أهل قريش خلال المراحل الأولى من الدعوة ، فبدأ يبحث في ذلك الوقت عن مكان آخر غير مكة من أجل انطلاق الدعوة ، حتى وقع الاختيار على مدينة الطائف حيث أنها تقع في موقع قريب جغرافيًا من مكة المكرمة .
الدعوة في الطائف :
كانت مدينة الطائف ذات أبعاد مهمة لكبراء قريش وسادتها ، وذلك لكونها ذات مكانة إستراتيجية بالنسبة لهم ، فكانوا يمتلكون بها البيوت التي كانت تُعد بمثابة مصايف لهم بسبب جمال طبيعة الطائف ، كما كانوا يلجئون إلى الأعمال التجارية هناك أيضًا ، وقد عزم الرسول صلّ الله عليه وسلم على الذهاب إلى الطائف لنشر دعوته هناك ، بعد تحمل العديد من المشاق في مكة نتيجة لدعوته .
كان النبي يفكر في إنشاء الدولة الإسلامية الحديثة في مدينة الطائف ، حيث كان يأمل في أهل هذه المدينة خيرًا ، فخرج من مكة إلى الطائف سيرًا على الأقدام ، وذلك خشية أن تظن قريش أنه راحل عن مكة فيتبعونه ويقومون بتعطيل هدفه ، وقد كان زيد بن حارثة رفيقًا للرسول صلّ الله عليه وسلم في تلك الرحلة .
وصل الرسول صلّ الله عليه وسلم إلى الطائف ، وهناك بدأ دعوته إلى كبار القوم في الطائف ، حيث عرض عليهم الدخول في الدين الإسلامي وأن تكون الطائف مكانًا لاحتضان دعوته بدلًا من مكة ، ولكن أسياد الطائف ردوا على النبي ردًا قاسيًا ، حيث طردوه من مدينتهم وأمروا صبيانهم بإتباعه لقذفه بالحجارة ، حتى أصيبت قدماه الشريفتان ، كما سالت منها الدماء.
الغلام النصراني :
لجأ الرسول صلّ الله عليه وسلم إلى بستان يمتلكه رجلان من سادات الطائف وهما عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وكان ذلك البستان يقع على بُعد ثلاثة أميال من الطائف ، وهناك بلغته نصرة الله عز وجل ، حيث قاما صاحبا البستان بعد حماية النبي من مجانين الطائف بإرسال غلام صغير إلى البستان حاملًا معه قطفًا من العنب لأجل الرسول صلّ الله عليه وسلم.
وقد كان الرسول صلّ الله عليه وسلم يتضرع إلى الله تعالى بالدعاء في ذلك الوقت بعد أن زاد همه ، وقد رُوي أنه صلوات الله عليه قد دعا قائلًا :”اللَّهمَّ إليكَ أشكو ضَعفَ قوَّتي ، وقلَّةَ حيلَتي ، وَهَواني علَى النَّاسِ ، أنتَ أرحمُ الرَّاحمينَ ، أنتَ ربُّ المستضعفينَ ، وأنتَ ربِّي ، إلى من تَكِلُني؟ إلى بعيدٍ يتجَهَّمُني أَمْ إلى عدُوٍّ ملَّكتَهُ أمري ، إن لم يَكُن بِكَ غضبٌ عليَّ فلا أبالي ، غيرَ أنَّ عافيتَكَ هيَ أوسعُ لي ، أعوذُ بنورِ وجهِكَ الَّذي أشرَقت لهُ الظُّلماتُ ، وصلُحَ علَيهِ أمرُ الدُّنيا والآخرةِ ، أن يحلَّ عليَّ غضبُكَ ، أو أن ينزلَ بي سخطُكَ ، لَكَ العُتبى حتَّى تَرضى ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بِكَ”.
وحينما وصل الغلام الذي كان يُدعى “عداس” إلى الرسول صلّ الله عليه وسلم ؛ وضع العنب بين يديه ، فمدّ النبي يده الشريفة قائلًا (بسم الله) ، ثم أكل من العنب ، حينها قال عداس :”إن هذا الكلام لا يصدر عن أهل هذه القرى” ، فقال الرسول صلّ الله عليه وسلم :”من أي البلاد أنت وما دينك؟”، فقال الغلام :”أنا نصراني من مدينة نينوي”.
قال النبي إلى الغلام :”من قرية الرجل الصالح يونس بن متى” ، فقال الغلام :”ومن أين عرفت يونس بن متى؟” ، فقال الرسول صلّ الله عليه وسلم :”ذاك أخي كان نبيًا وأنا نبي” ، فهوى الغلام إلى قدمي الرسول الكريم فقبلّهما ، كمقبلّ رأسه ، ثم أعلن إيمانه بدعوته صلّ الله عليه وسلم .