يذخر التاريخ الإسلامي بالعديد من العلماء والقضاة والمشايخ العظماء ، وقد تفوقوا جميعًا بعلمهم وذكائهم وأخلاقهم الحميدة ، ولقد كان القاضي أبو بكر الباقلاني واحدًا من أذكى الشخصيات الإسلامية العظيمة ، فمن هو القاضي أبو بكر الباقلاني ؟
من هو القاضي أبو بكر الباقلاني :
إنه أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم الشهير باسم أبي بكر الباقلاني ، وُلد في البصرة عام 338 هجريًا ، ومعروف بلقب شيخ السنة ولسان الأمة ، حيث أنه يتكلم على مذهب أهل السنة والجماعة ، حصل على رئاسة المذهب الأشعري وهي مدرسة إسلامية سنية .
حصل الباقلاني أيضًا على رئاسة المالكية وهي أحد المذاهب الإسلامية الأربعة في السُنة ، ولقد كان للباقلاني مكانة علمية عظيمة في عصره ، وقد تحدث عنه كبار العلماء والفقهاء بالثناء ، حيث قال عنه ابن تيمية “القاضي أبو بكر هو أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري ، ليس فيهم مثله لا قبله ولا بعده”.
ذكاء أبو بكر الباقلاني :
هناك العديد من المواقف التي تدل على ذكاء أبي بكر الباقلاني ، ومن أشهر مواقفه هو ذلك الموقف الذي جمع بينه وبين ملك الروم في حوار أثبت فيه الباقلاني ذكائه وتميزه ، حيث أنه قام بتعجيز ملك الروم الذي تعجب كثيرًا من فكر ذلك الرجل الذكي الفطن .
أراد ملك الروم من الخليفة أن يقوم بإرسال أحد العلماء إليه كي يسأله ، فقام الخليفة بإرسال الباقلاني الذي تميز بأنه كان أذكى العلماء المسلمين في عصره ، حينما علم ملك الروم بأن الباقلاني الملقب بسيف السنة ولسان الأمة هو الذي سيأتيه ؛ فكر في حيلة من أجل إذلال الباقلاني وجعله يركع له .
قام ملك الروم بإصدار أوامره إلى حاشيته ليقوموا بتقصير طول الباب حتى يضطر الباقلاني أثناء دخوله إلى خفض رأسه ، وبالتالي يركع إلى الملك وهو مضطر فيخضع في إذلال أمام الملك والحاشية ، وبمجرد وصول الباقلاني أدرك تلك الحيلة فاستدار بجسده ودخل ماشيًا للخلف بحيث جعل ظهره هو الموجه إلى الملك .
أدرك ملك الروم أنه أمام داهية من الدهاة ، وحينما دخل الباقلاني إلى المجلس وكان الملك محاط بحاشيته من رجال الكنيسة والرهبان ، فبادر الباقلاني بسؤاله للرهابنة : كيف حالكم وكيف حال أهلكم وأولادكم؟
أبدى ملك الروم غضبه من ذلك السؤال قائلًا : ” هؤلاء رهبان يتنزهون عن الزوجة والولد ؛ فهم أشرف من أن يتخذوا زوجة وأطفالًا” ، حينها قال أبو بكر : الله أكبر .. تُنزه هؤلاء عن الزواج والانجاب ثم تتهمون ربكم بمريم ولا تنزهونه عن الولد ” .
ازداد الملك غضبًا قائلًا بكل وقاحة :” فما قولك في عائشة التي زنت؟ ” ، هنا ردّ عليه الباقلاني قائلًا :”أما ولله أن عائشة تزوجت ولم تنجب ، وأما مريم فلم تتزوج وأنجبت ، فأيهما أولى وكيف تتهم بالزنى التي لم تأت بولد وتُنزه التي أتت بولد ، أما نحن ففي القرآن نبرئهما الاثنتين .
كاد ملك الروم أن يُجن من ردود الباقلاني الذكية ، فسأله الملك :” هل كان نبيكم يغزو؟ ” ، فأجاب الباقلاني :”نعم” ، سأل الملك مُجددًا :”فهل كان يقاتل في المقدمة؟” ، أجاب الباقلاني :”نعم” ، عاد الملك ليسأل :”فهل كان ينتصر؟” ، فقال الباقلاني :”نعم” ، فسأل الملك :”فهل كان يُهزم؟” ، فأجاب الباقلاني :”نعم”.
شعر الملك هنا أنه قد وصل إلى السؤال الذي سيقوم من خلاله بتعجيز أبي بكر الباقلاني ، فقال متعجبًا بسخرية :” عجيب! أنبيٌّ ويُهزم! ، هنا سأله الباقلاني :” أصُلب عيسى عليه السلام؟ ، فأجاب الملك :”نعم” ، حينها قال الباقلاني :” أنبيٌّ ويُصلب! ، فبُهت الملك الذي ظن أنه سينتصر على الباقلاني ، ولكن هيهات أن يهزم عالمًا مسلمًا مستنيرًا .
وفاته :
توفي الباقلاني عام 403 هجريًا في بغداد ، وتم دفنه في داره الواقعة بدرب المجوس ، ثم نُقل جثمانه فيما بعد وتم دفنه في مقبرة باب الحارة .