الأخوة نوعان : أخوة في الأب القريب ، أو أخوة في الأب البعيد ، أي من جنسكم ، من آدم ، فهو إما أخ من الأب القريب ، وإمّا أخ من الأب البعيد .
الأخوة مع معاوية بن أبي سفيان :
ورويّ أن سيدنا معاوية كان يجلس ثم دخل عليه الحاجب ، فقال : يا أمير المؤمنين ، رجل بالباب يقول إنه أخوك ، فتساءلت ملامح معاوية وتعجب وكأنه يقول لحاجبه : ألا تعرف إخوة أمير المؤمنين ؟ وقال له : أدخله ، فأدخله ، قال معاوية للرجل : أي أخوتي أنت ؟! قال له : أخوك من آدم .. فقال معاوية : رحم مقطوعة ، أي أن الناس لا تتنبه إلى هذه الأخوة ، والله لأكونن أول من يصلها .
الإفادة والإلحاح :
وقال تعالى : (وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) صدق الله العظيم ..ونلحظ أن الحق قال على لسان سيدنا نوح لقومه : ( قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) صدق الله العظيم .. وهنا قال فقط من غير الفاء ، وجاء في قول نوح : فقال ، وهذه دقة الأداء لتنتبه ، لأن الذي يتكلم إله ورب ، فتأتي مرة بفاء ، وتأتي مرة بغير فاء ، رغم أن السياق واحد والمعنى واحد ، والرسول رسول ، والجماعة هم قوم الرسول ونعلم أن الفاء تقتضي التعقيب ، وتفيد الإلحاح عليهم .
قوم نوح وقوم هود والإلحاح :
وهذا توضحه سورة نوح ، لأن الحق يقول فيها : قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5)فَلَم يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10). صدق الله العظيم ..
إذا فالفاء مناسبة هنا ، لكن في مسألة قوم هود نجد أن سيدنا هودًا قال لهم مرة أو اثنين أو ثلاث مرات ، لكن بلا استمرار وإلحاح ، وهذا يوضح لنا أن إلحاح نوح على قومه يقتضي أن يأتي في سياق الحديث عنه ، فقال ، وألا تأتي في الحديث عن دعوة سيدنا هود ، وقد يتعجب الإنسان لأن مدة هود مع عاد لا تساوي مدة نوح مع قومه .
دعوة سيدنا نوح ودعوة سيدنا عاد :
وقد جاء الإيضاح بزمن رسالة سيدنا نوح في قوله الحق : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ) صدق الله العظيم .. ظل سيدنا نوح قرابة ألف سنة يدعو قومه ليلاً نهارًا سرًا وعلانية ، لكنهم كانوا يفرون من الإيمان ، لذلك يأتي الحق في أمر دعوة نوح بالفاء التي تدل على المتابعة ، أما قوم عاد فلم يأت لهم بالفاء ، بل جاء بقال ، كما ورد في قوله تعالى : (وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ )..صدق الله العظيم …
وقال نوح من قبل : (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) .. صدق الله العظيم .. وفي مسألة قوم عاد قال : ( يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) صدق الله العظيم ..
الفرق بين علم سيدنا نوح بالعذاب وعلم سيدنا عاد :
ومع أن الأسلوب واحد والمعاني واحده ، وكان ذلك يقتضي بالإنذار ، لكن لم يقل الحق ذلك ، لأن نوحًا كان عنده علم بالعذاب الذي سوف ينزل ، لأنها كانت أول تجربة ، لكن سيدنا هود لم يكن عنده علم بالعذاب .