القيروان مدينة تونسية تبعد حوالي 160 كيلومتر عن العاصمة تونس ، وهي المدينة التي أسسها عقبة بن نافع رضي الله عنه وكانت مركزًا لانطلاق حملات الفتح الإسلامي للمغرب العربي وإفريقيا وأسبانيا ، حيث كان يطلق عليها الفقهاء رابعة الثلاث أي أنها الرابعة بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس ، وبها يقع جامع القيروان الذي أسسه القائد الإسلامي عقبة بن نافع رضي الله عنه.
عقبة بن نافع :
كان عقبة بن نافع رضي الله عنه خلال عهد سيدنا عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما يشغل منصب قائد على حامية برقة (بليبيا ) ، وعندما حدثت الفتنة الكبرى بين المسلمين ركز كل اهتمامه على الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام بين قبائل البربر ، وأيضًا خوض غزوات متتالية ضد الروم لرد شرهم ومنع انتشارهم .
وبعد أن استقرت الأمور لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، وأصبح خليفةً المسلمين تم تعيين معاوية بن حديج واليًا على مصر ، فقام بإرسال عقبة إلى شمال إفريقيا لمواصلة الفتح الإسلامي ، وفي فترة الفتنة كان هناك عدة بلاد قد خلعت طاعتها عن الخلافة الإسلامية .
فقام عقبة بمحاربتهم وإبادتهم جميعا ، ثم بعث الخليفة لعقبة عشرة ألاف فارس ليساعدوه في فتوحاته ، وبالفعل توغل عقبة في بلاد المغرب وكان يشن غارات خاطفة على الروم وهكذا طهر معاوية وجنوده منطقة الشمال الإفريقي .
تأسيس القيروان :
وبينما هو يغزو تلك المناطق نزل بواديًا فأعجب بموقعه وقرر أن يبني به مدينة تكون مركزًا متقدمًا للمسلمين بإفريقيا ، ومعسكرًا دائمًا للمسلمين ونقطة انطلاق للفتوحات الإسلامية بإفريقيا والمغرب ، ولقد قرر عقبة أن يتخذ من القيروان مركزًا لتثبيت الفتوحات الإسلامية .
وعندما استشار عقبة أصحابه في تأسيس تلك المدينة ، لقيت تلك الفكرة قبولًا كبيرًا من أصحابه واقترح عليه القادة أن تكون على غرار الإسكندرية ، لكن عقبة رفض ذلك مستفيدًا بما فعله الروم حيث استطاعوا غزو الإسكندرية برغم تحصيناتها المنيعة ، وفضل عقبة أن تكون المدينة بعيدة عن البحر ، وأن يكون مكانها تتوافر به المراعي والمواشي ليساعد ذلك أهلها على الاستقرار .
فوقع اختياره على وادي كثيف الشجر وهنا خط عقبة رضي الله عنه المدينة ، وسماها القيروان وهو لفظ فارسي مأخوذ عن كاروان وهذا الاسم يعني معسكر الجنود ، وفي عام 51 هجرية أمر عقبة الجنود بقطع الأشجار اللازمة للبناء ، وبعد ذلك أمرهم بإحراق الأرض لتطهيرها من الأعشاب والأشواك وأول ما تم بناءه بها هو دار الإمارة .
ثم بعد ذلك تم بناء المسجد الأعظم واستمر البناء إلى عام 55 هجرية حتى اكتملت القيروان بالمساكن والأسواق ، وبلغت مساحتها 13.66 ذراع وأقبل عليها المسلمون من أفارقة وعرب وغيرهم ، ولقد كان اختيار القيروان موفقًا لدرجة كبيرة جدًا لأنها في مركز تقاطع طرق الشمال والجنوب ، وأيضًا تقاطع الشرق مع الغرب كما أنها مكان خصب وبه ماء وفير .
وبعد أن أسس عقبة بن نافع المدينة تم عزله من قبل الخليفة معاوية في عام 55 هجرية ، وتولى بدلًا منه أبا المهاجر بن دينار وهو مشهور بالكفاءة وحسن القيادة وما كان من القائد العظيم الذي فتح معظم الشمال الإفريقي إلا أن امتثل للأمر ، وأصبح جنديًا مقاتلًا مع قائده الجديد .
وحقق أبو المهاجر مكاسب في شمال إفريقيا على حساب الروم واستطاع أن يستميل زعيم قبائل كسيلة ، وكان هذا الزعيم نصرانيًا فاسلم ولكن عقبة رضي الله عنه لم يطمئن له وصدق حدس عقبة بعد ذلك ، وبعد أن توفي الخليفة معاوية بن أبي سفيان وتولي ابنه يزيد من بعده ، أعاد عقبة مرة أخرى إلى الولاية في عام 62 هجرية ، فعاد الأسد المقاتل عقبة بن نافع إلى القيروان مركز الانطلاق للجهاد .
وقرر عقبة أن ينطلق لفتح المغرب فقام بفتح باغية وتلمسان التي كان بهما أكبر حامية للروم ، وظل ينطلق بجنوده ويفتح البلدان كالإعصار الكاسح الذي يقتحم كل ما يلاقيه حتى وصل بخيله إلى المحيط الأطلنطي واخترق الماء بفرسه ، ثم قال : (يارب لولًا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهدًا في سبيلك ولولًا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحد دونك) .
وفاة عقبة :
وبعد ذلك قرر عقبة العودة إلى مركز القيادة بالقيروان حيث أمر الجنود بالعودة ، ودخل عقبة مع ثلاثمائة جند فقط إلى مدينة تهوذة ولما رآه الروم في عدد قليل قرروا الغدر ، وهنا أظهر كسيلة ما بداخله من حقد على الإسلام فجمع البربر الوثنيين وأغلقوا المدينة .
وحاصروهم بجيشٍ جرارٍ وقاتل عقبة رضي الله عنه ومن معه قتالًا شديدًا حتى استشهد في عام 63 هجرية ، وقد كان مثالًا للقائد الورع الشجاع صاحب العقلية العسكرية الكبيرة ، والذي طبق في حروبه أساليب عسكرية متقدمة ومنها إقامة الحاميات الدفاعية مثل مدينة القيروان .