الإمام سفيان الثوري ، اشتهر وتم تلقيبه بعدة ألقاب ، منها إمام الحُفّاظ وشيخ الإسلام ، وكان هذا الرجل معروف بأنه سيد العلماء في زمانه ، وكان اسمه أبو عبدالله سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبدالله الثوري ، والذي كان ينتمي إلى مضر وليس همدان .
نشأته وطلبه للعلم:
ولد الإمام سفيان الثوري ، عام 715م في الكوفة بالعراق ، وكان مولده في عهد خلافة سليمان بن عبدالملك ، وكان والده هو سعيد بن مسروق الثوري ، وهو أحد أصحاب خيثمة بن عبدالرحمن والشعبي ، وأحد أهل الثقة الكوفيين .
ذكاء سفيان الثوري وشدة حفظه :
قال العجلي أن الإمام سفيان ، كان شديد الذكاء وسريع الحفظ ، قوي الهمة فلم يكن يسمع سوى حفظه ، الذي كان يخش عليه كثيرًا ، وظل هذا الأمر يرافقه طيلة حياته ، خاصة في مرحلتي طفولته وشبابه ، حتى أن بن أيوب العابد ، قد أنه في أحد الأيام ، كان جالسًا في بيته ، فإذا به يسمع الناس بالخارج ، يقولون قد جاء الثوري ، فخرج لينظر كيف هو ، فلم يجد سوى غلامًا صغيرًا .
وروى عنه الصالحين ممن رأوه ، بأن أمارات النبوغ كان واضحة على محياه ، وتظهر لامعة في عينيه ، وكأن العلم قد فتح له ذراعيه ، لينهل منه كيفما شاء ، فيأخذ منه ما يرغب ، ويدع له ما لا يريد .
وكان الخطيب البغدادي قد روى ، عن أبي مسلم صالح بن أحمد قال ؛ أنه كانت هناك مسألة متعلقة بالمواريث ، وسأل فيها الكثير من الناس ، إلا أن أحدهم لم يستطع الفصل فيها ، فقال لهم لو أن الغلام الثوري برفقتنا الآن ، لكان قد فصلها في وقتها .
فلما أتى الثوري إلى المجلس ، قيل له ماذا تقل في مسألة ، تتعلق بكذا وكذا ؟ فأجاب الثوري أن الأعمش قد تحدث فيها بكذا ، وابن مسعود قال فيها كذا ، وأخذ يعدد الآراء ، حتى قال أبو إسحاق ، أترون كيف فصلها الثوري؟ ليتكم مثله .
الثَّوري يرفض توليه القضاء :
تحدث القعقاع عن الثوري ، وروى أنه كان يجلس لدى المهدي حينما أتى الثوري ، فدخل الثوري وسلم عليه بالعمامة ولم يسلم بالخلافة ، فأقبل عليه المهدي ، بوجه طلق وقال له ، أنت تهرب منا هنا وهنا ، وتظن أننا إن أردنا بك سوء ، فلن نقدر عليك ولكن الآن ، لقد قدرنا عليك .
فأجابه الثوري وقال له ، والله لو أنك حكمت فيّ ، فالله الملك القادر يحكم فيك ، وهو يفرق بين الحق والباطل ، فقال له الربيع ، كيف تترك مثل هذا يحدثك هكذا؟ إذا أمرتني قطعت عنقه ، فأجابه المهدي ويحك ، هذا ومن مثله يريدون أن يُقتلوا ، ونعيش نحن أشقياء وهم سعداء ، ثم أمر أن يتولى الثوري القضاء ، ويكتب عهده ويدفع إليه ، على قضاء الكوفة ، فأخذه الثوري وألقاه في دجلة ، وبحث عنه الخليفة في كل لبلاد ولم يعثر عليه .
شيوخ سفيان الثوري :
تتلمذ الثوري على يد عدد من الشيوخ ، ذكر أولهم أنه والده ، وتلاه كل من محارب بن دثار وزياد بن علاقة ، والأسود بن قيس و زبيد بن الحارث وحبب بن أبي ثابت ، وقيل أن عدد من تتلمذ على أيديهم ، قد بلغ ستمائة شيخًا ، ، وكان كبارهم جرير بن عبدالله وأبي هريرة ، وابن عباس رضي الله عنهم .
وفاة سفيان الثوري :
توفى سفيان الثوري ، عام 161 في شهر شعبان ، وكان قد ألمّ به مرض بالبطن ، فظل سفيان يقاوم ، حتى كانت ليلة وفاته ، فقام وتوضأ أكثر من ستين مرة ، حتى إذا ما شعر بدون أجله ، هبط أرضًا ، ووضع خده على الأرض ، وقال لعبد الرحمن بن المهدي ، ما أشد الموت ثم مات ، فأغمض عبد الرحمن عيناه ، وعلم الناس بموته في جوف الليل ، رحم الله سفيان الثوري .